فسمعه خالد فرجع ، وقال : أما والله لا تنقشع حتى يغشاك منها شؤبوب بَرَد ، ثمَّ أمر به فجرِّد وضُرب مائة سوط ، ثمَّ خلّى عنه ومضى. رواه ابن حبيب. الأغاني (١) (١٥ / ١١٩)
ومن مُلَح الكميت : أنَّ الفرزدق مرَّ به وهو ينشد ، والكميت يومئذ صبيّ ، فقال له الفرزدق : أيسرُّك أنّي أبوك؟. فقال : لا ، ولكن يسرُّني أن تكون أمّي! فَحَصِرَ الفرزدق فأقبل على جلسائه ، وقال : ما مرَّ بي مثل هذا قطٌّ. الأغاني (٢) (١٥ / ١٢٣)
ولادته وشهادته :
وُلد الكميت في سنة ستِّين ـ عام شهادة الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه ـ وعاش عيشة مرضيّة سعيداً في دنياه ، باذلاً كلّه في سبيل ما اختاره له ربّه ، داعياً إلى سنن الهدى ، حتى أُتيحت له الشهادة ببركة دعاء الإمام زين العابدين عليهالسلام له بها ، وبعين الله ما هُريق من دمه الطاهر ، وذلك بالكوفة في خلافة مروان بن محمد سنة (١٢٦).
وكان سبب موته ما حكاه حجر بن عبد الجبّار قال : خرجت الجعفريّة (٣) على خالد القسري وهو يخطب على المنبر ولا يعلم بهم ، فخرجوا في التبابين (٤) ينادون : لبّيك جعفر ، لبّيك جعفر ، وعرف خالد خبرهم وهو يخطب ، فدهش بهم ، فلم يعلم ما يقول فزعاً فقال : اطعموني ماءً! ثمَّ خرج الناس إليهم فأُخذوا ، فجعل يجيء بهم إلى المسجد ، ويُؤخذ طنُّ قصب فيُطلى بالنفط ، ويُقال للرجل منهم : احتضنه. ويُضرب حتى يفعل. ثمَّ يحرق ، فحرقهم جميعاً ، فلمّا عزل خالدٌ عن العراق ووليه
__________________
(١) الأغاني : ١٧ / ١٧.
(٢) الأغاني : ١٧ / ٢٦.
(٣) هم : المغيرة بن سعيد وبيان وأصحابهما الستّة ، وكانوا يسمّون : الوصفاء. (المؤلف)
(٤) التبابين : جمع تُبّان ، وهو سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة فقط.