كلمة الإسكافي حول الحديث
في كتابه ـ النقض على العثمانية ـ
قل بعد ذكر الحديث باللفظ المذكور (ص ٢٧٨) : فهل يُكَلَّفُ عملَ الطعام ودُعاءَ القوم صغيرٌ غير مميِّز وغِرٌّ غير عاقل؟ وهل يؤتمَن على سرِّ النبوَّة طفلٌ ابن خمس سنين أو ابن سبع سنين؟ وهل يُدعى في جملة الشيوخ والكهول إلاّ عاقلٌ لبيبٌ؟ وهل يضع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يده في يده ويُعطيه صَفقة يمينِهِ بالأخوَّة والوصيّة والخلافة إلاّ وهو أهلٌ لذلك ، بالغ حدّ التكليف ، محتملٌ لولاية الله وعداوة أعدائه؟
وما بالُ هذا الطفل لم يأنس بأقرانه؟ ولم يلصق بأشكاله؟ ولم يُرَ مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه ، وهو كأحدِهم في طبقته ، كبعضهم في معرفته؟ وكيف لم ينزَع إليهم في ساعةٍ من ساعاته؟ فيقال : وعاه بعضُ الصّبا ، وخاطرٌ من خواطر الدنيا ، وحملته الغِرَّة والحدْثة على حضور لهوهم والدخول في حالهم ، بل ما رأيناه إلاّ ماضياً على إسلامه ، مصمِّماً في أمره ، محقّقاً لقوله بفعله ، قد صدَّق إسلامه بعَفافه وزهده ، ولصق برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من بين جميع من بحضرته ، فهو أمينهُ وأليفُه في دنياه وآخرته ، وقد قهر شهوته ، وجاذب خواطره ، صابراً على ذلك نفسه ، لِما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة ، وقد ذكر هو عليهالسلام في كلامه وخطبه بدء حاله وافتتاح أمره ، حيث أسلم لمّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشجرة فأقبلت تَخِد الأرض ، فقالت قريش : ساحرٌ خفيف السحر.
فقال عليٌّ عليهالسلام : «يا رسول الله؟ أنا أوّل من يُؤمن بك ، آمنتُ بالله ورسوله وصدَّقتُك فيما جئتَ به ، وأنا أشهدُ أنّ الشجرة فعلتْ ما فعلتْ بأمر الله تصديقاً لنبوّتك وبُرهاناً على دعوتك».
فهل يكون إيمانٌ قطُّ أصحّ من هذا الإيمان وأوثق عقدة وأحكم مِرَّة؟ ولكن حَنَق العثمانيّة وغيظهم وعصبيّة الجاحظ وانحرافه ممّا لا حيلة فيه.