وقيل للوزير محمد بن عبد الملك الزيّات : لِمَ لا تُجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟ قال : إنَّ دِعبلاً جعل خشبته على عنقه يدور بها ، يطلبُ من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة وهو لا يُبالي (١).
كلُّ ذلك من جرّاء ما كان ينافح ويناطح ويناضل وينازل في الذبِّ عن البيت النبويِّ الطاهر ، والتجاهر بموالاتهم ، والوقيعة في مناوئيهم ، لا يَقِرُّ به قرارٌ ، فلا يُقلّه مأمنٌ ولا يُظلّه سقفُ منتَجَعٍ (٢) ، وما زالت تتقاذف به أجواز الفلا فَرَقاً من خلفاء الوقت ، وأعداء العترة الطاهرة ، ومع ذلك كلّه فقصائده السائرة تلهَجُ بها الركبان ، وتزدان بها الأندية ، وهي مسرّات للمُوالين ، ومُحفِظاتٌ للأعداء ، ومثيرات للعِهَن (٣) والضغائن حتى قُتل على ذلك شهيداً.
وما يُنقم من المترجم له من التوغّل في الهجاء في غير واحد من المعاجم ، فإنّ نوع ذلك الهجو والسباب المُقذغ فيمن حَسِبَهم أعداءً للعترة الطاهرة وغاصبي مناصبهم ، فكان يتقرّب به إلى الله وهو من المُقَرِّبات إليه سبحانه زلفى ، وإنَّ الولاية لا تكون خالصةً إلاّ بالبراءة ممّن يُضادُّها ويعاندها كما تبرّأ الله ورسوله من المشركين ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، غير أنّ أكثر أرباب المعاجم من الفئة المتحيِّزة إلى أعداء هذا البيت الطاهر ، حسبوا ذلك منه ذنباً لا يُغفر كما هو عادتهم في جُلِّ رجالات الشيعة.
أمّا نبوغه في الأدب :
فأيّ برهنة له أوضح من شعره السائر؟ الذي تلهج به الألسن ، وتتضمّنه طيّات الكتب ، ويُستشهد به في إثبات معاني الألفاظ وموادِّ اللغة ، ويُهتف به في
__________________
(١) طبقات الشعراء لابن المعتز : ص ١٢٥ [ص ٢٦٥]. (المؤلف)
(٢) الانتجاع : طلب الخصب والكلإ. والمنتجَع : المنزل في طلب الكلأ.
(٣) العِهَن : جمع عِهْنة وهي لغة في الإحنة ، ومعناها الحقد والغضب.