كذلك لما اقتنع بتلك المساومة ، وهو يعرف الثمن والمثمن ، ويعلم سابقة أمير المؤمنين ، وفضله ، وقرابته ، ويقول : إن يَلِهِ ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقَّ. ومع ذلك يظهر بغضه وعداءه بقوله : وهو أكره من يليه إليَّ ، ويعترف بالحقِّ ويتحيّز إلى خلافه ، ويعرف الموضع الصالح للخلافة ، ثمَّ يميل مع الهوى ويقول : إنّما أردنا هذه الدنيا. فيبيع دينه لمعاوية بثمن بخس ـ مصر وكورها ـ ويؤلّب الناس على الإمام الطاهر بنصِّ الكتاب العزيز ، ويُسَرُّ بقتله. ولقد صارح بكلِّ ذلك صراحة لا تقبل التأويل ، وهي مستفادةٌ من نصوصه ونصوص الصحابة الأوّلين ، وبها عُرف في التاريخ الصحيح ، كما سمعت من دون أيِّ استنباط أو تحوير ، فلا بارك الله في صفقة يمينه ، ولا غار له بخير.
حديث شجاعته :
لم نعهد لابن النابغة موقفاً مشهوداً في المغازي والحروب ، سواءٌ في ذلك العهد الجاهليّ ودور النبوّة. وأمّا وقعة صفِّين فلم يُؤثر عنه سوى مخزاة سوأته مع أمير المؤمنين وفراره من الأشتر ، وقد بقي عليه عار الأولى مدى الحقب والأعوام ، وجرى بها المثل ، وغنّى بها أهل الحجاز ، وجاء في شعر عتبة بن أبي سفيان :
سوى عمروٍ وَقَتْهُ خصيتاهُ |
|
نجا ولقلبِهِ منهُ وجيبُ (١) |
وفي شعر معاوية بن أبي سفيان يذكر عمراً وموقفه ، كما يأتي :
فقد لاقى أبا حسنٍ عليّا |
|
فآب الوائليُّ مآب خازي |
فلو لم يُبدِ عورتَهُ لَلاقى |
|
به ليثاً يذلِّلُ كلَّ غازي |
وفي شعر الحارث بن نصر السهميِّ :
__________________
(١) سيأتي أنّ البيت من قصيدة للوليد بن عقبة قالها في عمرو بن العاص بعد فراره أمام أمير المؤمنين (ع) ، كما ذكر ذلك نصر بن مزاحم في وقعة صفّين : ص ٤١٨.