فاستسقاهم لبناً ، فاعتلّوا عليه وزعموا أن لا لبن عندهم ، وكان اللبن محقوناً في وطاب عندهم. يُضرب به للكاذب الذي يعتذر ولا عذر له ، يعني : أنّ اللبن المحقون لديكم يكذّبكم في عذركم. فما في مروج الذهب من : يأبى الحقير العذرة. وفي العقد الفريد : أبى الخبير العذر. فهو تصحيف.
قيس ومعاوية في المدينة
روى التابعيُّ الكبير أبو صادق سليم بن قيس الهلالي في كتابه (١) ، قال :
قدم معاوية حاجّا في أيّام خلافته بعد ما مات الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، فاستقبله أهل المدينة ، فنظر فإذا الذين استقبلوه عامّهم قريش ، فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة ، فقال : ما فعلت الأنصار ، وما بالها ما تستقبلني؟ فقيل : إنَّهم محتاجون ليس لهم دواب. فقال معاوية : فأين نواضحهم؟
فقال قيس بن سعد : أفنوها يوم بدر وأُحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين ضربوك وأباك على الإسلام ، حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون.
فقال معاوية : اللهم اغفر. فقال قيس : أما إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «سترون بعدي أثرة». فقال معاوية : فما أمركم به؟ قال : أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. قال : فاصبروا حتى تَلْقوه.
ثمّ قال : يا معاوية تعيِّرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله ، وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا ؛ ثمَّ دخلتَ أنت وأبوك كرهاً في الإسلام الذي ضربناكم عليه.
فقال معاوية : كأنّك تمنّ علينا بنصرتكم إيّانا ، فلله ولقريش بذلك المنّ والطول. ألستم تمنّون علينا يا معشر الأنصار بنصرتكم رسول الله؟ وهو من قريش
__________________
(١) كتاب سليم بن قيس : ٧٧٧ / ح ٢٦.