أعطاك ، وكان الذي أخذت منه دون ما أعطيته ، وكلٌّ راض بما أخذ وأعطى ، فلمّا صارت مصر في يدك تتبعك فيها بالعزل والتنقّص ، حتى لو أنَّ نفسك في يدك لألقيتها إليه ، وذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلاّ بالغدر ، ولا منّيت إلاّ بالفجور والغشِّ ، وذكرت مشاهدك بصفّين فو الله ما ثَقُلَتْ علينا وطأتُكَ ، ولقد كشفتَ فيها عورتك ، ولا نَكَتنا فيها حربك ، ولقد كنت فيها طويل اللسان ، قصير السنان ، آخر الحرب إذا أقبلت ، وأوّلها إذا أدبرت ، لك يدان : يدٌ لا تبسطها إلى خير ، ويدٌ لا تقبضها من شرّ ، ووجهان : وجهٌ مؤنسٌ ووجهٌ موحشٌ ، ولعمري إنَّ من باع دينه بدنيا غيره لحريٌّ أن يطول حزنه على ما باع واشترى ، لك بيانٌ وفيك خطل ، ولك رأيٌ وفيك نكد ، ولك قدرٌ وفيك حسد ، فأصغر عيب فيك أعظم عيب غيرك.
فقال عمرو : أما والله ما في قريش أحدٌ أثقل وطأةً عليَّ منك ، ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك.
البيان والتبيين (١) (٢ / ٢٣٩) ، العقد الفريد (٢) (٢ / ١٣٦) ، شرح ابن أبي الحديد (٣) (١ / ١٩٦) نقلاً عن البلاذري.
ابن عبّاس وعمرو في حفلة أخرى :
روى المدائني قال : وفد عبد الله بن عبّاس على معاوية مرّة وعنده ابنه يزيد ، وزياد بن سميّة ، وعتبة بن أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة ابن شعبة ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن أمِّ الحكم ، فقال عمرو بن العاص : هذا والله يا أمير المؤمنين نجوم أوّل الشرِّ وأُفول آخر الخير ، وفي حسمه قطع مادّته ، فبادره بالحملة ، وانتهز منه الفرصة ، واردع بالتنكيل به غيره ، وشرِّد به من خلفه.
__________________
(١) البيان والتبيين : ٢ / ٢٠٦.
(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٠٤.
(٣) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٤٧ خطبة ٣٥.