وكان ذلك الخشوع والإقبال إلى الله في العبادة وإفراغ القلب بكلّه إلى الصلاة من وصايا والده الطاهر له ، قال : يا بنيَّ أوصيك بوصيّة فاحفظها ، فإذا أنت ضيّعتَها فأنت لغيرها من الأمر أضيع ، إذا توضّأت فَأَتِمَّ الوضوء ، ثمّ صلِّ صلاة امرئٍ مودِّع يرى أنَّه لا يعود ، وأظهرِ اليأس من الناس فإنّه غنى ، وإيّاك وطلب الحوائج إليهم ؛ فإنّه فقر حاضر ، وإيّاك وكلّ شيء تعتذر منه. تاريخ ابن عساكر (١) (٦ / ٩٠).
وكان من دعاء سيِّدنا المترجَم ، كما في الدرجات الرفيعة (٢) ، وتاريخ الخطيب (٣) وغيرهما قوله : اللهمَّ ارزقني حمداً ومجداً ، فإنَّه لا حمدَ إلاّ بفعالٍ ، ولا مجدَ إلاّ بمال. اللهمَّ وسِّع عليَّ ، فإنَّ القليل لا يسعني ولا أسعه.
وفي البداية والنهاية (٤) (٨ / ١٠٠) : كان قيس يقول : اللهمَّ ارزقني مالاً وفعالاً ، فإنَّه لا تصلح الفعال إلاّ بالمال.
ومعلوم أنَّ طلب المال غير منافٍ للزهادة ؛ فإنّ حقيقة الزهد أن لا يملكك المال ، لا أن لا تملك المال.
حديث فضله :
إنّ خطابات قيس ، وكتاباته ، ومحاضراته ، ومقالاته ، المبثوثة في طيّات الكتب ومعاجم السِيَر ، شواهد صادقة على تضلّعه في المعارف الإلهيّة ، وأشواطه البعيدة في علمي الكتاب والسنّة ، وفي خدمته النبيَّ الأعظم مدّة عشر سنين (٥) ،
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ٧ / ١٢٥ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٢٤٥.
(٢) الدرجات الرفيعة : ص ٣٣٥.
(٣) تاريخ بغداد : ١ / ١٧٩ رقم ١٧.
(٤) البداية والنهاية : ٨ / ١٠٨ حوادث سنة ٥٩ ه.
(٥) البداية والنهاية : ٨ / ٩٩ [٨ / ١٠٧ حوادث سنة ٥٩ ه] ، الإصابة : ٥ / ٢٥٤ [٣ / ٢٤٩ رقم ٧١٧٧]. (المؤلف)