أو مدّة غير محدودة ، وقد كان أبوه دفعه إلى النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليخدمه ، كما في أسد الغابة (١) (٤ / ٢١٥) ومسامرته له صلىاللهعليهوآلهوسلم سفراً وحضراً طول عمره ، مع ما كان له من العقل ، والحزم ، والرأي السديد ، والشوق المؤكّد إلى تهذيب نفسه ، والولع التامّ إلى تكميل روحيّاته ، لَغنىً وكفاية عن أيِّ ثناء على علمه المتدفِّق ، وفضله الكثار ، وتقدّمه في علمي الكتاب والسنّة.
ومن الفضول أن نتعرَّض لإحصاء شواهد حسن تعليم النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إياه ، وأنَّه كان يجيد تربيته ، ويعلّمه معالم دينه ، ويفيض عليه من نمير فضله ، ويلقِّنه بما يحتاج إليه الإنسان الكامل من المعارف الدينيّة ، وإنّ ملازمته لصاحب الرسالة ، وهو سيِّد الخزرج وابن سادتها لم تكن خدمةً بسيطةً ، كما هو الشأن في الخدم والأتباع من الناس ، وإنّما هي كخدمة تلميذ لأستاذه للتعلّم وأخذ المعارف الدينيّة ، والاقتباس من أنوار علمه ، وممّا لا شكّ فيه أنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعلّمه معالم دينه في كلِّ حال يجده ، وكان قيس يغتنم الفرص ويظهر الشوق إليه ، وينمُّ عن ذلك ما رواه ابن الأثير في أسد الغابة (٢) (٤ / ٢١٥) عن قيس ، قال : مرَّ بي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقد صلّيت وقال : «ألا أدلّك إلى باب من أبواب الجنّة؟». قلت : نعم. قال : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله».
وسماعه بعد وفاة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أمير المؤمنين باب مدينة العلم النبويِّ ، وأخذه منه علمي الكتاب والسنّة ، كما قاله لمعاوية في حديث يأتي ، لمّا جرت بينهما مناظرة ، واحتجَّ قيس عليه بكلّ آية نزلت في عليّ ، وبكلِّ حديث ورد في فضله ، حتى قال معاوية : يا ابن سعد : عمّن أخذت هذا ، وعمَّن رويته؟ وعمّن سمعته؟ أبوك أخبرك بذلك؟ وعنه أخذته؟
قال قيس : سمعته وأخذته ممّن هو خير من أبي ، وأعظم حقّا من أبي. قال : من؟ قال : عليّ بن أبي طالب عليهالسلام عالم هذه الأمّة وصدّيقها.
__________________
(١) أسد الغابة : ٤ / ٤٢٥ رقم ٤٣٤٨.
(٢) أسد الغابة : ٤ / ٤٢٥ رقم ٤٣٤٨.