السيِّد جميل الصورة رحيب الجبهة عريض ما بين السالفَتين ، فَبَدَت في وجهه نُكتة سوداء مثل النقطة من المِداد ، ثمّ لم تَزَلْ تزيد وتنمى حتى طَبّقتْ وجهه ـ يعني اسوداداً ـ فاغتمَّ لذلك من حضره من الشيعة ، فظهر من الناصبة سرورٌ وشماتةٌ ، فلم يَلبَثْ بذلك إلاّ قليلاً حتى بدتْ في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء ، فلم تزل تزيد بياضاً وتنمى حتى أسفَر وجهه وأشرق ، وافترّ السيِّد ضاحكاً ، وأنشأ يقول :
كَذَبَ الزاعمون أنّ عليّا |
|
لن يُنَجِّي مُحبّه من هناتِ |
قد وربِّي دخلتُ جنّة عدنٍ |
|
وعَفا لي الإله عن سيّئاتي |
فابشروا اليومَ أولياء عليٍ |
|
وتَوَلَّوا عليَّ حتى المماتِ |
ثمّ من بعده تَولَّوا بنِيه |
|
واحداً بعد واحدٍ بالصفاتِ |
ثمّ أتبعَ قوله هذا : أشهد أن لا إله إلاّ الله حقّا حقّا ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله حقّا حقّا (١) ، وأشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا حقّا. أشهد أن لا إله إلاّ الله. ثمّ غمّض عينيه لنفسه فكأنّما كانت روحه ذبالة (٢) طفئت أو حصاة سقطت.
أمالي الشيخ (٣) (ص ٤٣) ، مناقب السروي (٤) (٢ / ٢٠) ، كشف الغمّة (٥) (ص ١٢٤).
تضلُّعُه في العلم والتاريخ :
إنَّ من يقف على موارد حِجاج السيِّد الحميري والمعاني التي طرقها في شعره ومحاوراته مع من عاصره من رجال الفريقين ، جدّ عليم بما له من الخطوات الواسعة والشوط البعيد في فهم مغازي الكتاب الكريم وفقه السنّة الشريفة ، وأنَّ تهالكه في
__________________
(١) في لفظ السرَوي : صدقاً صدقاً. وأشهد أن عليّا وليُّ الله رفقاً رفقاً. (المؤلف)
(٢) الذبالة : الفتيلة ، والجمع ذبال. (المؤلف)
(٣) أمالي الطوسي : ص ٦٢٧ ح ١٢٩٣.
(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٨.
(٥) كشف الغمّة : ٢ / ٤٠.