الجواد قد يكبو :
لا ينقضي العجب وكيف ينقضي من مِثل أبي تمام العريق في المذهب والعارف بنواميسه ، والبصير بأحوال رجالاته ، وما لهم من مآثر جمَّة ، وجهود مشكورة ، وهو جدُّ عليم بما لأضدادهم من تَرْكاض وهَمْلجة في تشويه سمعتهم ، وإعادة تاريخهم المجيد المملوء بالأوضاح والغرَر ، إلى صورة ممقوتة ، محفوفة بِشِيَةِ العار ، مشفوعة كلّ هاتيك بجلبةٍ ولغط ، وقد انطلت لديه أمثلة من تلكم السفاسف حول رجل الهدى ، الناهض المجاهد والبطل المغوار ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ؛ فحسب ما قذَفتهُ به خصماؤه الألدّاء في دينه وحديثه ونهضته حقائق راهنة ، حتى قال في رائيّته المثبّتة في ديوانه (١) (ص ١١٤):
والهاشميّون استقلّت عِيرُهُمْ |
|
من كربلاءَ بأَوثقِ الأوتارِ |
فَشَفاهُمُ المختارُ منه ولم يَكُنْ |
|
في دينِه المختارُ بالمختارِ |
حتى إذا انكشفت سرائرُهُ اغتدَوْا |
|
منهُ بُراءَ السمعِ والأبصارِ |
ومن عطف على التاريخ والحديث وعلم الرجال نظرةً تشفعها بصيرة نفّاذة ، علم أنَّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص ، وأنَّ نهضته الكريمة لم تكن إلاّ لإقامة العدل باستئصال شأفة الملحدين ، واجتياح جذوم (٢) الظلم الأموي ، وأنَّه بمنتزح من المذهب الكيساني ، وأنَّ كل ما نَبزوهُ من قذائف وطامّات لا مُقيلَ لها من مستوى الحقيقة والصدق ، ولذلك ترحّم عليه الأئمّة الهداة سادتنا ، السجّاد والباقر والصادق ـ صلوات الله عليهم ـ ، وبالغ في الثناء عليه الإمام الباقر عليهالسلام ، ولم يزل مشكوراً عند أهل البيت الطاهر هو وأعماله.
__________________
(١) ديوان أبي تمام : ص ١٣٥.
(٢) جمع جذمة ، وهي الأصل.