الشعر والشعراء
ونحن لا نرى شعر السلف الصالح مجرّد ألفاظ مسبوكة في بوتقة النظم ، أو كلمات منضّدة على أسلاك القريض فحسب ، بل نحن نتلقّاه بما هناك من الأبحاث الراقية في المعارف من علمي الكتاب والسنّة ، إلى دروس عالية من الفلسفة والعِبر والموعظة الحسنة والأخلاق ، أضف إليها ما فيه من فنون الأدب وموادِّ اللغة ومباني التاريخ ، فالشعر الحافل بهذه النواحي بغية العالم ، ومقصد الحكيم ، ومأرب الأخلاقيِّ ، وطلبة الأديب ، وأُمنيّة المؤرِّخ ، وقل : مرمى المجتمع البشريِّ أجمع.
وهناك للشعر المذهبيِّ مآرب أخرى هي من أهمِّ ما نجده في شعر السلف ، ألا وهي الحِجاج في المذهب والدعوة إلى الحقِّ ، وبثِّ فضائل آل الله ، ونشر روحيّات العترة الطاهرة في المجتمع ، بصورةٍ خلاّبة ، وأسلوب بديع يُمازج الأرواح ، ويخالط الأدمغة ، فيبلغ هتافه القاصي والداني ، وتلوكه أشداق الموالي والمناوئ مهما علت في الكون عقيرته ، ودوّخت الأرجاء شهرته ، وشاع وذاع وطار صيته في الأقطار ، وقُرِّطت به الآذان.
مهما صار أُحدوّة تحدو بها الحُداة ، وأغاني تغنّي به الجواري في أندية الملوك والخلفاء والأمراء ، وتناغي بها الأمّهات الرضّع في المهود ، ويرقّصْنَهم بها بعد الفطام في الحجور ، ويُلقِّنها الآباء أولادهم على حين نعومة الأظفار ، فينمو ويشبُّ وفي