١٥ ـ
عمّار بن ياسر وعمرو
اجتمع عمّار بن ياسر مع عمرو بن العاص في المعسكر يوم صفّين ، فنزل عمّار والذين معه فاحتبوا بحمائل سيوفهم ، فتشهّد عمرو بن العاص ـ يعني قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ـ. فقال عمّار : اسكت فقد تركتها في حياة محمد ومن بعده ، ونحن أحقُّ بها منك ، فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقّنا باطلك ، وإن شئت كانت خطبة ، فنحن أعلم بفصل الخطاب منك ، وإن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك ، وتكفرك قبل القيام ، وتشهد بها على نفسك ، ولا تستطيع أن تكذِّبني.
قال عمرو : يا أبا اليقظان ، ليس لهذا جئت ، إنّما جئت لأنّي رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم ، أُذكرك الله إلاّ كففتَ سلاحهم ، وحقنت دماءهم ، وحرّضتَ على ذلك ، فعلامَ تقاتلنا؟! أولسنا نعبد إلهاً واحداً؟ ونصلّي قبلتكم؟ وندعو دعوتكم؟ ونقرأ كتابكم؟ ونؤمن برسولكم؟
قال عمّار : الحمد لله الذي أخرجها من فيك ، إنّها لي ولأصحابي : القبلة ، والدين ، وعبادة الرحمن ، والنبيّ ، والكتاب ، من دونك ودون أصحابك ، الحمد للهِ الذي قرّرك لنا بذلك دونك ودون أصحابك ، وجعلك ضالاّ مضلاّ ، لا تعلم هادٍ أنت أم ضالّ ، وجعلك أعمى ، وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك ؛ أمرني رسول الله أن أقاتل الناكثين ، وقد فعلتُ ، وأمرني أن أقاتل القاسطين ، فأنتم هم ، وأمّا المارقون ، فما أدري أدركهم أم لا؟
أيّها الأبتر ألستَ تعلم أنّ رسول الله قال لعليّ : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه؟!» وأنا مولى الله ورسوله وعليّ من بعده ، وليس لك مولى.
قال له عمرو : لِمَ تشتمني يا أبا اليقظان! ولست أشتمك؟ قال عمّار : وبِمَ