مجتمعات الشيعة آناء الليل وأطراف النهار ، ذلك الشعر السهل الممتنع الذي يحسب السامع لأوّل وهلة أنّه يأتي بمثيله ، ثمّ لمّا خاض غماره ، وطفق يرسب ويَطفُّ بين أواذيِّه ، علم أنّه قصير الباع ، قصير الخُطى ، قصير المقدرة عن أن يأتي بما يدانيه فضلاً عمّا يساويه.
كان محمد بن القاسم بن مهرويه يقول : سمعت أبي يقول : خُتم الشعر بدعبل. وقال البحتري : دعبل بن عليّ أشعر عندي من مسلم بن الوليد ، فقيل له : كيف ذلك؟ قال : لأنّ كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم ، ومذهبه أشبه بمذاهبهم ، وكان يتعصّب له (١).
وعن عمرو بن مسعدة قال : حضرت أبا دُلَف عند المأمون وقد قال له المأمون : أيَّ شيءٍ تروي لأخي خزاعة يا قاسم؟ فقال : وأيّ أخي خزاعةَ يا أمير المؤمنين؟ قال : ومَن تعرف فيهم شاعراً؟ فقال : أمّا مِن أنفُسِهم فأبو الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وداود بن أبي رزين ، وأمّا من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله.
فقال : ومن عسى في هؤلاء أن يُسأَل عن شعره سوى دعبل؟ هات أيّ شيء عندك فيه.
وقال الجاحظ : سمعت دعبل بن عليّ يقول : مكثت نحو ستّين سنة ليس من يوم ذرَّ شارقه إلاّ وأنا أقول فيه شعراً (٢) ، ولمّا أنشد دعبل أبا نواس شعره :
أينَ الشبابُ؟ وأيّةً سَلَكا؟ |
|
لا أينَ يُطلبُ؟ ضلَّ بل هَلَكا |
لا تعجبي يا سَلْمُ من رَجُلٍ |
|
ضَحِكَ المشيبُ برأسه فبكى |
فقال : أحسنت ملء فيك وأسماعنا. قال محمد بن يزيد : كان دعبل والله
__________________
(١) الأغاني : ١٨ / ١٨ ، ٣٧ [٢٠ / ١٣٥ ، ١٤٩]. (المؤلف)
(٢) الأغاني : ١٨ / ٤٤ [٢٠ / ١٦٥]. (المؤلف)