إلى الله فقطع عمّه أبو لهب حديثه ، واستنفر القوم ليقوموا. ودعاهم محمد في الغداة كرّة أخرى.
فلمّا طعموا قال لهم : «ما أعلم إنساناً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به. قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربّي أن أدعوكم إليه فأيّكم يوازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟». فأعرضوا عنه وهمّوا بتركه ، لكنّ عليّا نهض وما يزال صبيّا دون الحُلُم وقال : «أنا يا رسول الله عونك. أنا حرب على من حاربت». فابتسم بنو هاشم وقهقهَ بعضهم وجعل نظرهم يتنقّلُ من أبي طالب إلى ابنه ثمّ انصرفوا مستهزئين. انتهى.
فإنّه أسقط من الحديث أوّلاً ما فرّع به رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه من قوله لعليّ : «فأنت أخي ووصيّي ووارثي». ثمّ نسب إلى أمير المؤمنين ثانياً أنّه قال : «أنا يا رسول الله عونك. أنا حربٌ على من حاربت». ليته دلَّنا على مصدر هذه النسبة في لفظ أيِّ مُحدّث أو مؤرِّخ من السلف؟ وراقه أن يحكم في الحضور في تلك الحفلة بتبسُّم بني هاشم وقهقهة بعضهم ، ولم نجد لهذا التفصيل مصدراً يُعَوَّل عليه.
ومهما لم يجد هيكل وراءه من يأخذه بمقاله ، ولم يرَ هناك من يُناقشه الحساب في تقوُّلاته وتصرُّفاته أسقط منه ما يرجع إلى أمير المؤمنين عليهالسلام في الطبعة الثانية سنة (١٣٥٤) (ص ١٣٩) ، ولعلّ السرَّ فيه لفتة منه إلى غاية ابن كثير وأمثاله بعد النشر ، أو أنّ اللغط والصخب حول القول قد كثرا عليه هناك من مناوئي العترة الطاهرة ، فأخذته أمواج اللوم والعتب حتى اضطرّته إلى الحذف والتحريف. أو أنّ العادة المطّردة في جملة من المطابع عاثت في الكتاب فغضَّ عنها الطرف صاحبه لاشتراكه معها في المبدأ أو عجزه عن دفعها. وعلى أيٍّ فحيّا الله الشعور الحيَّ ، والأمانة الموصوفة ، والحقَّ المضاع المأسوف عليه.
أسفي على بسطاء الأمّة الإسلاميّة واعتنائهم بمثل هذه الكتب المشحونة بزُخرف