بالبصرة ، فأُدخل إلى معاوية وعنده عمرو بن العاص ، فقال معاوية لعمرو بن العاص : هل تعرف هذا؟ قال : لا. قال : هذا الذي يقول أبوه يوم صفِّين :
إنّي شريتُ النفسَ لمّا اعتلاّ |
|
وأكثر اللوم وما أقلاّ |
أعورُ يبغي أهلَهُ مَحَلاّ |
|
قد عالج الحياة حتى ملاّ |
لا بدَّ أن يَفُلَّ أو يُفلاّ |
|
أَسُلُّهمْ بذي الكعوب سلاّ |
لا خير عندي في كريمٍ ولّى فقال عمرو متمثِّلاً :
وقد ينبتُ المرعى على دِمَنِ الثرى |
|
وتبقى حزازاتُ النفوس كماهيا |
وإنه لهو ، دونك يا أمير المؤمنين الضبَّ المضبَ (١) ، فاشخب أوداجه على أسباجه ـ أثباجه ـ ولا ترجعه إلى أهل العراق فإنَّهم أهل فتنة ونفاق ، وله مع ذلك هوىً يرديه وبطانةٌ تغويه ، فوالذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك لَيُجَهِّزَنَّ إليك جيشاً تكثر صواهله لشرِّ يوم لك.
فقال عبد الله وهو المقيَّد : يا ابن الأبتر هلاّ كانت هذه الحماسة عندك يوم صفِّين؟ ونحن ندعوك إلى البراز ، وأنت تلوذ بشمائل الخيل كالأَمَة السوداء والنعجة القوداء ، أما إنَّه إن قتلني قتل رجلاً كريم المخبرة ، حميد المقدرة ، ليس بالحبس المنكوس ، ولا الثَلِب (٢) المركوس (٣). فقال عمرو : دع كيت وكيت ، فقد وقعت بين لحيي لهذم (٤) فَروس للأعداء ، يسعطك إسعاط (٥) الكودن (٦) الملجَم.
__________________
(١) من أضبّ يضبّ : أي صاح وتكلّم ، وغاض وحقد. (المؤلف)
(٢) الثلب : المعيب المهان. (المؤلف)
(٣) المركوس : الضعيف. (المؤلف)
(٤) اللهذم : الحادّ القاطع من السيوف والأسنّة والأنياب. (المؤلف)
(٥) الإسعاط : إدخال الدواء في الأنف. يقال : أسعطه الرمح : أي طعنه به في أنفه. (المؤلف)
(٦) الكودن : البرذون الهجين ، الفيل. الجمع كوادن. (المؤلف)