ورواها ابن كثير في البداية والنهاية (١) (٨ / ١٠٣) بتغيير فيها ، ثمّ قال : وفي رواية : إنَّ ملك الروم بعث إلى معاوية برجلين من جيشه ، يزعم أنّ أحدهما أقوى الروم والآخر أطول الروم ، فانظر هل في قومك من يفوقهما في قوّةهذا وطول هذا؟ فإن كان في قومك من يفوقهما ، بعثت إليكَ من الأسارى كذا وكذا ، ومن التحف كذا وكذا ، وإن لم يكن في جيشك من هو أقوى وأطول منهما ، فهادنّي ثلاث سنين.
فلمّا حضروا عند معاوية قال : من لهذا القويِّ؟ فقالوا : ما له إلاّ أحد رجلين : إمّا محمد بن الحنفيّة أو عبد الله بن الزبير ، فجيء بمحمد بن الحنفيّة ـ وهو ابن عليّ بن أبي طالب ـ فلمّا اجتمع الناس عند معاوية ، قال له معاوية : أتعلم فيمَ أرسلتُ إليك؟ قال : لا. فذكر له أمر الروميِّ ، وشدّة بأسه.
فقال للروميِّ : إمّا أن تجلسَ لي أو أجلسَ لك ، وتناولني يدك أو أُناولك يدي ، فأيّنا قدر على أن يقيم الآخر من مكانه غلبه ، وإلاّ فقد غُلب. فقال له : ما ذا تريد ، تجلس أو أجلس؟ فقال له الروميُّ : بل اجلس أنت.
فجلس محمد بن الحنفيّة وأعطى الروميّ يده ، فاجتهد الروميّ بكلّ ما يقدر عليه من القوّة أنْ يزيله من مكانه ، أو يحرِّكه ليقيمه ، فلم يقدر على ذلك ولا وجد إليه سبيلاً ، فغُلب الروميُّ عند ذلك ، وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم أنَّه قد غُلب.
ثمَّ قام محمد بن الحنفيّة ، فقال للروميِّ : اجلس لي. فجلس وأعطى محمداً يده ، فما أمهله أن أقامه سريعاً ، ورفعه في الهواء ثمّ ألقاه على الأرض ، فَسُرَّ بذلك معاوية سروراً عظيماً ، ونهض قيس بن سعد فتنحّى عن الناس ، ثمّ خلع سراويله وأعطاها لذلك الروميّ الطويل ، فبلغت إلى ثدييه وأطرافها تخطُّ بالأرض ، فاعترف الروميُّ بالغَلَب ، وبعث ملكهم ما كان التزمه لمعاوية.
__________________
(١) البداية والنهاية : ٨ / ١٠٩ حوادث سنة ٥٩ ه.