فقال عمرو : يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك ، أما والله لو بدا له من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قذالك ، وأيتم عيالك ، وأنهب مالك ، وعزل سلطانك ، غير أنَّك تحرّزت منه بالرجال في أيديها العوالي ، أما إنّي قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحولّت عيناك ، وأزبد شدقاك ، وتنشّر منخراك ، وعرق جبينك ، وبدا من أسفلك ما أكره ذكره!. فقال معاوية : حسبك حيث بلغت لم نرد كلّ هذا.
وفي لفظ الواقدي : قال معاوية يوماً لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله لا أراك إلاّ ويغلبني الضحك. قال : بما ذا؟ قال : أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفِّين ، فأذريت نفسك فرَقاً من شبا سنانه ، وكشفت سوأتك له. فقال عمرو : أنا منك أشدُّ ضحكاً ؛ إنّي لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سَحرك ، وربا لسانك في فمك ، وعصب ريقك ، وارتعدت فرائصك ، وبدا منك ما أكره ذكره لك. فقال معاوية : لم يكن هذا كلّه ، وكيف يكون؟ ودوني عكٌّ والأشعريّون. قال : إنَّك لَتعلم أنَّ الذي وصفتُ دون ما أصابك ، وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعريّون ، فكيف كانت حالك لو جمعكما مأقط الحرب؟ قال : يا أبا عبد الله خض بنا الهزل إلى الجدّ ؛ إنَّ الجبن والفرار من عليٍّ لا عار على أحد فيهما. شرح ابن أبي الحديد (١) (٢ / ١١١).
قال نصر في كتابه (٢) (ص ٢٢٩) : وكان معاوية لم يزل يشمت عمراً ، ويذكر يومه المعهود ويضحك ، وعمرو يعتذر بشدّة موقفه بين يدي أمير المؤمنين ، فشمت به معاوية يوماً وقال : لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس وفررتم ، وإنَّك لجبان ، فغضب عمرو ثمَّ قال : والله لو كان عليّا ما قحمتَ عليه ، يا معاوية فهلاّ برزت إلى عليٍّ إذ دعاك إن كنت شجاعاً كما تزعم؟ وقال عمرو في ذلك :
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٣١٧ خطبة ٨٣.
(٢) وقعة صفّين : ص ٤٣٢.