ألا هل عمٍ في رأيهِ متأمِّلُ |
|
وهل مدبرٌ بعد الإساءة مقبلُ |
فكتبها وأدرجها في كتاب إلى هشام ، يقول : هذا شعر الكميت ، فإن كان قد صدق في هذا فقد صدق في ذاك. فلمّا قرئت على هشام اغتاظ ، فلمّا سمع قوله :
فيا ساسةً هاتوا لنا من جوابكم |
|
ففيكم لعمري ذو أفانين مقولُ |
اشتدَّ غيظه ، فكتب إلى خالد يأمره أن يقطع يدي الكميت ورجليه ، ويضرب عنقه ، ويهدم داره ، ويصلبه على ترابها. فلمّا قرأ خالد الكتاب كره أن يستفسد عشيرته ، وأعلن الأمر رجاء أن يتخلّص الكميت ، فقال : كتب إليَّ أمير المؤمنين وإنّي لأكره أن استفسد عشيرته ، وسمّاه ، فعرف عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد ما أراد ، فأخرج غلاماً له مولّداً ظريفاً ، فأعطاه بغلة له شقراء فارهة من بغال الخليفة ، وقال : إن أنت وردت الكوفة فأنذرت الكميت لعلّه أن يتخلّص من الحبس فأنت حرٌّ لوجه الله ، والبغلة لك ، ولك عليَّ بعد ذلك إكرامك والإحسان إليك.
فركب البغلة فسار بقيّة يومه وليلته من واسط إلى الكوفة فصبّحها ، فدخل الحبس متنكّراً ، فخبّر الكميت بالقصّة ، فأرسل الى امرأته وهي ابنة عمّه يأمرها أن تجيئه ومعها ثياب من لباسها وخفّان ، ففعلت. فقال : ألبسيني لبسة النساء ، ففعلت. ثمّ قالت له : أقبل فأقبل ، وأدبر فأدبر ، فقالت : ما أدري إلاّ يبساً في منكبيك ، اذهب في حفظ الله. فمرَّ بالسجّان فظنَّ أنَّه المرأة فلم يعرض له ، فنجا وأنشأ يقول :
خرجت خروجَ القِدحِ قِدحِ ابن مقبلِ |
|
على الرغم من تلك النوابح والمُشْلي (١) |
عليَّ ثيابُ الغانياتِ وتحتَها |
|
عزيمةُ أمرٍ أشبهت سَلَّةَ النصْلِ |
وورد كتاب خالد إلى والي الكوفة يأمره فيه بما كتب به إليه هشام ، فأرسل
__________________
(١) النوابح : كلاب الصيد ، كنّى بها عمّن يتعقبه. والمشلي : من أشلى ، يشلي ، إذا أغرى الكلب ودعاه إلى الصيد.