والأنبياء حتى حق الحياة.
في هذه الآية جاء الفعل «كذبوا» بصيغة الماضي بينما جاء الفعل «يقتلون» بصيغة المضارع ، ولعل السبب ـ بالإضافة إلى المحافظة على التناسب اللفظي في أواخر الآيات السابقة والتّالية وكلها بصيغة المضارع ـ هو كون الفعل المضارع يدل على الاستمرار ، والقصد من ذلك الإشارة إلى استمرار هذه الروح فيهم ، وأن تكذيب الأنبياء وقتلهم لم يكن حدثا عارضا في حياتهم ، بل كان طريقا واتجاها لهم (١).
في الآية التّالية إشارة إلى غرورهم أمام كل ما اقترفوه من طغيان وجرائم : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي ظنوا مع ذلك أن البلاء والجزاء لن ينزل بهم ، واعتقدوا ـ كما صرحت الآيات الأخرى ـ أنّهم من جنس أرقى ، وأنّهم أبناء الله! وأخيرا استحال هذا الغرور الخطير والتكبر إلى ما يشبه حجابا غطى أعينهم وآذانهم : (فَعَمُوا وَصَمُّوا) عن رؤية آيات الله وعن سماع كلمات الحقّ.
ولكنّهم عند ما أصابتهم مظاهر من عقاب الله وشاهدوا نتائج أعمالهم المشؤومة ، ندموا وتابوا بعد أن أدركوا أن وعد الله حق ، وأنّهم ليسوا عنصرا متميزا فائقا.
وتقبل الله توبتهم : (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
إلّا أنّ حالة الندم والتوبة لم تلبث طويلا ، فسرعان ما عاد الطغيان والتجبر وسحق الحقّ والعدالة ، وعادت أغشية الغفلة الناتجة عن الانغماس في الإثم تحجب أعينهم وآذانهم مرّة أخرى (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) فلم يعودوا يرون آيات أو يسمعوا كلمة الحقّ ، وعمت الحالة الكثير منهم.
ولعل تقديم «عموا» على «وصمّوا» يعني أن عليهم أوّلا أن يبصروا آيات الله
__________________
(١) في الواقع وكما جاء في تفسير «مجمع البيان» وفي غيره إنّ عبارة ، «فريقا كذبوا وفريقا يقتلون» في الأصل «كذبوا وقتلوا» و «يكذبون ويقتلون».