نفعها ، فكيف يتسنى له دفع الضرر عن الغير أو نفعهم؟ (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً)؟
فكثيرا ما تعرّض هو وأتباعه للأذى على أيدي أعدائهم ، ولو لا أنّ الله شمله بلطفه لما استطاع أن يخطو خطوة واحدة.
وفي النهاية يحذرهم من أن يظنوا أنّ الله لا يسمع ما يتقولونه أو لا يعلم ما يكنونه : (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ممّا يلفت النظر أنّ مسألة كون المسيح عليهالسلام بشرا ذا حاجات مادية جسمانية ـ وهي ما يستند إليها القرآن في هذه الآية وفي آيات أخرى ـ كانت من أكبر المعضلات بوجه المسيحيين الذين يدعون ألوهيته ، فسعوا إلى تبرير ذلك بشتى الأساليب ، حتى أنّهم اضطروا أحيانا إلى القول بثنائية المسيح : اللاهوت والناسوت ، فهو من حيث لاهوتيته ابن الله ، بل هو الله نفسه ومن حيث ناسوتيته فهو جسم ومخلوق من مخلوقات الله ، وأمثال ذلك من التبريرات التي هي خير دلالة على ضعف منطقهم وخطله.
لا بدّ من الالتفات ـ أيضا ـ أنّ الآية استعملت «ما» بمكان «من» والتي تشير عادة إلى غير العاقل ، ولعل ذلك يفيد الشمول بالنسبة للمعبودات والأصنام المصنوعة من الحجر أو الخشب ، فيكون المقصود هو أنّه إذا جاز أن يعبد الناس مخلوقا ، جازت كذلك عبادتهم الأصنام ، لأنّ هذه المعبودات تتساوى من حيث كونها جميعا مخلوقات ، وأنّ تأليه المسيح عليهالسلام ضرب من عبادة الأصنام ، لا عبادة الإله.
الآية التّالية تأمر رسول الله عليهالسلام ، بعد اتضاح خطأ أهل الكتاب في الغلو أن يدعوهم بالأدلة الجلية إلى الرجوع عن السير في هذا الطريق : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ) (١).
__________________
(١) «لا تغلو» من مادة «الغلو» وهي بمعنى تجاوز الحدّ ، إلّا أنّها تستعمل للإشارة تجاوز الحدّ بالنسبة لمقام شخص من