وفي الختام يخاطب العلماء وأصحاب العقول والأذكياء فيقول : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أمّا أنّ مدلول الآية من قبيل توضيح الواضحات ، فذلك لأن ثمّة من يظن أنّ أمورا عارضة ، مثل كثرة إتباع الخبيث ، أو ما يسمى بـ «الأكثرية» تجعل ذلك الخبيث في مصاف الطيب ، كما يحدث أحيانا أن نرى بعضهم يقع تحت تأثير الجماعة واتجاه أهواء الأكثرية ، ظانا أنّه حيثما مالت الأكثرية كان ذلك دليلا قاطعا على صحة ما مالت إليه ، بينما الأمر ليس كذلك ، والقضايا التي أيدتها الأكثرية وظهر بطلانها كثيرة جدا.
في الواقع إنّ ما يميز الخبيث من الطيب هو الأكثرية الكيفية لا الكمية ، أي أنّ المطلوب هو أفكار أقوى وأرفع وأسمى وأنقى لا كثرة المؤيدين.
هذه القضية لا تلاءم أذواق بعض الناس في العصر الحاضر ، بعد أنّ تشبعت أذهانهم على أثر التلقين ووسائل الأعلام بأن الأكثرية هي معيار معرفة الخبيث من الطيب ، إلى حدّ الإيمان بأن «الحقّ» هو ما أرادته الأكثرية ، و «الطيب» هو ما مالت إليه الأكثرية ، وليس كذلك. إن معظم مشاكل العالم ناتجة عن هذا اللون من التفكير.
نعم ، إذا تمتعت الأكثرية بقيادة صادقة وتعليمات صحيحة ، بحيث تؤلف أكثرية ناضجة بما للكلمة من معنى ، فيمكن حينئذ اعتبار هذه الأكثرية واتجاهاتها مقياس تمييز الخبيث عن الطيب ، لا الأكثرية الفجة غير الناضجة.
على كل حال ، يشير القرآن إلى هذا الأمر في هذه الآية ، ويحذر الناس من الانجراف مع أكثرية الخبثاء ، وفي مواضع أخرى تكاد تبلغ العشرة يقول تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أمّا تقديم «الخبيث» على «الطيب» في الآية ، فذلك لأنّ الكلام موجه إلى الذين يحسبون كثرة الخبيث دليلا على صحة ما يذهبون إليه ، فلا بدّ من الردّ على هؤلاء ، وتعريفهم بأن معيار الخباثة والطيبة لم