ومعنى «إذ قال» : واذكر إذ قال.
وحسب هذا التّفسير ، تشرع هذه الآيات ببحث مستقل له جانبه التربوي للمسلمين ويرتبط بهذه الدنيا ، إلّا أن عددا من المفسّرين ـ كالطبرسي والبيضاوي وأبي الفتوح والرازي ـ يرون أنّ هذه الآية تابعة للآية السابقة وتتعلق بالحوار الذي يدور بين الله والأنبياء يوم القيامة ، وعلى هذا يكون الفعل الماضي «قال» بمعنى «يقول» المضارع ، غير أنّ هذا يخالف ظاهر الآية ، خاصّة وأنّ تعداد النعم التي أنزلت على شخص ما يستهدف إحياء روح الاعتراف بالجميل والشكر فيه ، وهذا لإمكان له يوم القيامة.
ثمّ تشرع الآية بذكر النعم : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ).
لقد بحثنا معنى «روح القدس» في المجلد الأوّل من هذا التّفسير بحثا مستفيضا وأحد الاحتمالات المقصودة هو أنّه إشارة إلى ملك الوحي ، جبرائيل ، والاحتمال الآخر هو تلك القوة الغيبية التي كانت تعين عيسى على إظهار المعجزات وعلى تحقيق رسالته المهمّة ، وهذا المعنى موجود في غير الأنبياء أيضا بدرجة أضعف.
من نعم الله الأخرى : (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أي أنّ كلامك في المهد ، مثل كلامك وأنت كهل ، كلام ناضج ومحسوب ، لا كلام طفل غر.
ثمّ أيضا : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) إنّ ذكر التّوراة والإنجيل بعد ذكر كلمة كتاب مع أنّهما من الكتب السماوية ، إنّما هو من باب التفصيل بعد الإجمال.
ومن النعم الأخرى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي).
ومع ذلك فإنّك تشفي بإذن الله الأعمى بالولادة والمصاب بالمرض الجلدي البرص : (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي).