وعليه ، فإنّ الذين أنجزوا ما كلّفوا من مسئولية ورسالة ولم يسيروا إلّا في طريق الصدق ، مثل المسيح عليهالسلام وأتباعه الصادقين ، أو أتباع سائر الأنبياء الآخرين الذين التزموا الصدق سينالون ثوابهم.
يتّضح لنا من هذا بأنّ جميع الأعمال الصالحات يمكن أن تنطوي تحت عنوان الصدق في القول والفعل ، وأنّه الرصيد الذي ينفع يوم القيامة لا غير.
وهؤلاء الصادقون : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) وخير من هذه النعمة المادية أنّهم : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ولا شك أنّ هذه النعمة الكبرى التي تجمع بين النعم المادية والنعم المعنوية شيء عظيم : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
يلفت النظر أنّ الآية ، بعد ذكر بساتين الجنّة ونعمها الكثيرة ، تذكر نعمة رضي الله عن عباده ، ورضى عباده عنه وتصف ذلك بأنّه الفوز العظيم ، وهذا يدل على مدى أهمية هذا الرضى المتبادل ، فقد يكون امرؤ غارقا في أرفع نعم الله ، ولكنّه إذا أحس بأنّ مولاه ومعبوده ومحبوبه ليس راضيا عنه ، فإن جميع تلك النعم والهبات تصير علقما في ذائقة روحه.
كما يمكن أن يتوفر لامرئ كل شيء ، ولكنه لا يكون راضيا ولا قانعا بما عنده ، فمن الواضح أنّ هذه النعم بأجمعها غير قادرة على إسعاد تلك الروح ، بل تكون دائما معرضة لعذاب قلق غامض واضطراب نفسي مستمر يقضيان على الراحة النفسية التي هي من أعظم نعم الله.
ثمّ إذا كان الله راضيا عن امرئ فإنّه يعطيه كل ما يريد ، فإذا أعطاه كل ما يريد فإنّه يكون راضيا عن ربّه أيضا ، من هنا فإنّ أعظم النعم هي أن يرضى الله عن الإنسان ويرضى الإنسان عن ربّه.
وفي آخر الآية إشارة إلى امتلاك الله كل شيء وسيطرته على السموات والأرض وما فيها ، وأنّ قدرته عامّة تشمل كل شيء : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ