لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ).
«الخزائن» جمع الخزينة ، بمعنى المكان الذي تخزن فيه الأشياء التي يراد حفظها وإخفاؤها عن الآخرين ، واستنادا إلى الآية : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١) يتّضح أنّ «خزائن الله» تشمل مصدر ومنبع جميع الأشياء ، وهي في الحقيقة تستقي من ذات الله اللامتناهية منبع جميع الكمالات والقدرات.
ثمّ تردّ الآية على الّذين كانوا يريدون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكشف لهم عن جميع أسرار المستقبل ، بل ويطلعهم على ما ينتظرهم من حوادث لكي يدفعوا الضرر ويستجلبوا النفع ، فتقول : (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ).
سبق أن قلنا إنّه لا يكون أحد مطلعا على كل شيء إلّا إذا كان حاضرا وشاهدا في كل مكان وزمان ، وهو الله وحده ، أمّا الذي يكون وجوده محددا بمكان وزمان معينين فلا يمكن بالطبع أن يطلع على كل شيء ، ولكن ما من شيء يحول دون أن يمنح الله جزءا من عمله هذا إلى الأنبياء والقادة الإلهيين لإكمال مسيرة القيادة ، حسبما يراه من مصلحة ، وهذا بالطبع لا يكون علما بالغيب بالذات ، بل هو «علم بالغيب بالعرض» أي أنّه تعلم من عالم الغيب.
هنالك آيات عديدة في القرآن تدل على أنّ الله لا يظهر علمه هذا للأنبياء والقادة الإلهيين وحدهم ، بل قد يظهره لغيرهم أيضا ، ففي الآيتين (٢٦ و ٢٧) من سورة الجن نقرا : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ).
لا شك أنّ مقام القيادة ، وخاصة القيادة العالمية العامة ، يتطلب الاطلاع على كثير من المسائل الخافية على عامّة الناس ، فإذا لم يطلع الله مبعوثيه وأولياءه على علمه ، فإنّ مراكزهم القيادية لن تكون كاملة (تأمل بدقّة).
__________________
(١) الحجر ، ٢١.