لن تكون يوما في متناول يد الإنسان.
إنّ سقوط الورقة ـ في الحقيقة ـ هو لحظة موتها ، بينما سقوط البذرة في مكمنها من الأرض هو لحظة بدء حياتها ، وما من أحد غير الله يعلم بنظام هذا الموت وهذه الحياة ، وحتى أنّ كل خطوة تخطوها البذرة نحو حياتها وانبعاثها وتكاملها خلال اللحظات والساعات ، جلية في علم الله.
إنّ لهذا الموضوع أثرا «فلسفيا» وآخر «تربويا» : أمّا أثره الفلسفي ، فينفي رأي الذين يحصرون علم الله بالكليات ، ويعتقدون أنّه لا يعلم عن الجزئيات شيئا ، وفي الآية هنا تأكيد على أنّ الله يعلم الكليات والجزئيات كلها.
أمّا أثره التربوي فواضح ، لأنّ الإيمان بهذا العلم الواسع لله يقول للإنسان : إنّ جميع أسرار وجودك ، وأعمالك ، وأقوالك ونياتك ، وأفكارك كلّها بيّنة أمام الله ، فإذا آمن الإنسان حقّا بهذا ، فكيف يمكن له أن لا يكون رقيبا على نفسه ويسيطر على أعماله وأقواله ونياته!
وفي ختام الآية يقول تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
تبيّن هذه العبارة القصيرة سعة علم الله اللامحدود وإحاطته بكل الكائنات بدون أي استثناء ، إذ أن «الرطب» و «اليابس» لا يقصد بهما المعنى اللغوي ، بل هما كناية عن الشمول والعمومية.
وللمفسّرين آراء متعددة في معنى : «كتاب مبين» ، ولكنّ الأقوى أنّه كناية عن علم الله الواسع ، أي انّ كل الموجودات مسجلة في علم الله اللامحدود ، كما أنّه تفسر بكونه «اللوح المحفوظ» نفسه ، إذ لا يستبعد أن يكون اللوح المحفوظ هو صفحة علم الله.
وثمّة احتمال آخر عن معنى «كتاب مبين» وهو أنّه عالم الخلق وسلسلة العلل والمعلولات التي كتب فيها كل شيء.