جاء فيما روي عن أهل البيت عليهمالسلام أنّ «الورقة» الساقطة بمعنى الجنين الساقط ، و «الحبّة» بمعنى الابن ، و «ظلمات الأرض» بمعنى رحم الأمّ ، و «رطب» ما بقي حيا من النطفة ، و «يابس» ما تلاشى من النطفة (١).
لا شك أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع الجمود على المعاني اللغوية للآية ، إذ إنّ معنى «الورقة» و «الحبّة» و «ظلمات الأرض» و «الرّطب» و «اليابس» معروف ، ولكنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام بهذا التّفسير أرادوا أن يوسعوا من آفاق نظرة المسلمين إلى القرآن ، وأن لا ينحصروا في إطار الألفاظ ، بل يتوسعوا في نظرتهم حين توجد قرائن على هذا التوسع.
الرّواية أعلاه تشير إلى أنّ معنى «الحبّة» لا ينحصر في بذور النباتات ، بل يشمل أيضا بذور النطف الإنسانية.
في الآية الثانية ينتقل الكلام إلى إحاطة علم الله بأعمال الإنسان وهو الهدف الأصلي وإلى بيان قدرة الله القاهرة ، لكي يستنتج الناس من هذا البحث الدروس التربوية اللازمة فتبدأ بالقول بأنّ الله هو الذي يقبض أرواحكم في الليل ، ويعلم ما تعملون في النهار : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ).
«توفى» تعني استرجع ، فالقول بأنّ النوم هو استرجاع للروح يعود إلى أنّ النوم أخو الموت ، كما هو معروف ، فالموت تعطيل كامل لجهاز الدماغ ، وانقطاع تام في ارتباط الروح بالجسد ، بينما النوم تعطيل قسم من جهاز الدماغ وضعف في هذا الارتباط ، وعليه فالنوم مرحلة صغيرة من مراحل الموت (٢).
«جرحتم» من «جرح» وهي هنا بمعنى الاكتساب ، أي أنّكم تعيشون تحت ظل قدرة الله وعلمه ليلا ونهارا ، وانّ الذي يعلم بانفلاق الحبّة ونموها في باطن الأرض ، ويعلم بسقوط أوراق الأشجار وموتها في أي مكان وزمان ، يعلم
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٥٢٨.
(٢) هناك شرح أو فى لهذا في المجلد الثاني.