البصر» (١).
والدليل على ذلك هو ما ذكرناه في تفسير هذه الآية ، وهو أنّ أعمال الإنسان تؤثر في وجوده وفي وجود الكائنات المحيطة به ، تماما مثل الماكنة التي تسجل مقدار حركتها في عداد متصل بها.
وبتعبير أوضح ، لو كانت هناك أجهزة دقيقة جدا لاستطاعت أن تسجّل في عين الإنسان عدد النظرات الآثمة ، وعلى الألسنة عدد الأكاذيب والافتراءات والتهم والطعون التي اقترفتها ، أي أن كل عضو من أعضاء الجسم فيه ـ بالإضافة إلى روحه ـ جهاز حاسب يكشف الحساب في لحظة واحدة.
وإذا جاء في بعض الرّوايات أنّ محاسبة المسؤولين والأغنياء تطول يوم القيامة فإن هذا لا يعني في الواقع طول زمن الحساب ، بل هو طول زمن المحاسبة عليهم ، إذ لا بدّ لهم من الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي تلقى عليهم بشأن الأعمال التي ارتكبوها ، أي أن ثقل مسئولياتهم ولزوم إجابتهم على الأسئلة لإتمام الحجّة عليهم هي التي تطيل زمن محاكمتهم.
يؤلف مجموع هذه الآيات درسا تربويا كاملا لعباد الله في إحاطة علمه تعالى بأصغر ذرات هذا العالم وبأكبرها وقدرته وقهره لعباده ومعرفته بجميع أعمال البشر ، وقيام كتبة أمناء بحفظ أعمال الناس وقبض أرواحهم في لحظات معينة بالنسبة لكل منهم ، وبعثهم يوم القيامة ، ومن ثمّ محاسبتهم محاسبة دقيقة وسريعة.
كيف يمكن أن يؤمن الشخص بمجموع هذه المسائل ثمّ لا يراقب أعماله ، يظلم دون وازع ، ويكذب ويفتري ويعتدي على الآخرين؟
هل يجتمع كل هذا مع الإيمان والاعتقاد على صعيد واحد؟
* * *
__________________
(١) المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٢٩٨.