هنالك أيضا احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو ـ أنّ الله قد أشار ـ إلى جانب العذاب السماوي والأرضي ـ إلى لونين آخرين من العذاب : أحدهما : اختلاف العقيدة والفكر (وهو في الواقع مثل العذاب النازل من فوق) ، والآخر : هو الاختلاف في العمل والسلوك الاجتماعي الذي يؤدي إلى الحروب وإراقة الدماء (وهو أشبه بالعذاب الآتي من تحت).
وعليه ، فالآية تشير إلى أربعة ألوان من العذاب الطبيعي ، ولونين من العذاب الاجتماعي.
٣ ـ لا بدّ من الانتباه إلى أن قوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) (١) ، لا يعني أنّ الله يبتلي الناس ـ بدون مبرر ـ بالنفاق والاختلاف ، بل إنّ ذلك نتيجة سوء أعمالهم وغرورهم وأنانياتهم ، والانغماس في منافعهم الشخصية ، ممّا يثير روح النفاق والتفرقة بينهم ، وما نسبة ذلك إلى الله إلّا لأنّه جعل تلك الآثار من نتائج تلك الأعمال.
٤ ـ على الرّغم من أنّ الخطاب في هذه الآية موجه إلى المشركين وعبدة الأصنام ، فإنّنا نستنتج أنّ المجتمع المشرك والمنحرف عن طريق التوحيد وعبادة الله ، يصاب بظلم الطبقات العليا ، وظلم الطبقات الدنيا المتهاونة في واجباتها ، كما تقع البشرية بين براثن الاختلاف العقائدية والمخاصمات الدموية في المجتمع ، كما هو حال المجتمعات المعاصرة التي تعبد أوثان الصناعة والثروة ، فهي رهين مصائب لا فكاك لها من مخالبها.
بعض الشعوب المسلمة تتحدث عن التوحيد وعبادة الله بأقوالها ، ولكنّها بأفعالها مشركة تعبد الأصنام. إن مصائر شعوب كهذا لا يختلف عن مصائر المشركين. وقد يكون حديث الإمام الباقر عليهالسلام : «كل هذا في أهل القبلة» إشارة إلى هذا الاختلاف بين المسلمين ، فعند ما ينحرف المسلمون عن طريق التوحيد ،
__________________
(١) «شيعا» جمع «شيعة» بمعنى الجماعة.