تَبَرَّأَ مِنْهُ) (١) وذلك لأنّ إبراهيم كان قد وعد آزر أن يستغفر له : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي)(٢) بأمل رجوعه عن عبادة الأصنام ، ولكنّه عند ما رآه مصمما على عبادة الأصنام ومعاندا ، ترك الاستغفار له.
يتّضح من هذه الآية بجلاء أن إبراهيم بعد أن يئس من آزر ، لم يعد يطلب له المغفرة ولم يكن يليق به أن يفعل.
كل القرائن تدل على أنّ هذه الحوادث وقعت عند ما كان إبراهيم شابا ، يعيش في بابل ويحارب عبدة الأصنام.
ولكن آيات أخرى في القرآن تشير إلى أن إبراهيم في أواخر عمره ، وبعد الانتهاء من بناء الكعبة ، طلب المغفرة لأبيه (في هذه الآيات ـ كما سيأتي ـ لم تستعمل كلمة «أب» بل استعملت كلمة «والد» الصريحة في المعنى) حيث يقول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ... رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (٣).
إذا جمعنا هذه الآية مع آية سورة التوبة التي تنهي المسلمين عن الاستغفار للمشركين وتنفي ذلك عن إبراهيم ، إلّا لفترة محدودة ولهدف مقدس ، تبيّن لنا بجلاء أنّ المقصود من «أب» في الآية المذكورة ليس «الوالد» ، بل هو العم أو الجد من جانب الأمّ أو ما إلى ذلك ، وبعبارة أخرى : إنّ «والد» تعطي معنى الأبوة المباشرة ، بينما «أب» لا تفيد ذلك.
وقد وردت في القرآن كلمة «أب» بمعنى العم ، كما في الآية (١٣٣) من سورة البقرة : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً) والضمير في «قالوا» يعود على أبناء يعقوب ، وكان إسماعيل عم يعقوب ،
__________________
(١) التوبة ، ١١٣ و ١١٤.
(٢) مريم ، ٤٧.
(٣) إبراهيم ، الآيتان ٣٩ و ٤١.