ثمّ لكيلا يتصور أحد أنه لم يكن هناك من يحمل لواء التوحيد قبل إبراهيم ، وأنّ التوحيد بدأ بإبراهيم ، يقول : (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ).
إنّنا نعلم أن نوحا هو أوّل أولي العزم من الأنبياء الذين جاؤوا بدين وبشريعة.
فالإشارة إلى مكانة نوح ، وهو من أجداد إبراهيم ، والإشارة إلى فريق من الأنبياء من أبنائه وقبيلته ، إنّما هي توكيد لمكانة إبراهيم المتميزة من حيث «الوراثة والأصل» و «الذّرية».
وعلى أثر ذلك ترد أسماء عدد من الأنبياء من أسرة إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ) ، ثمّ يبيّن أن منزلة هؤلاء ناشئة من أعمالهم الصالحة وهم لذلك ينالون جزاءهم : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
هناك كلام كثير بين المفسّرين بشأن الضمير في (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) هل يعود إلى إبراهيم ، أم إلى نوح؟ غير أنّ أغلبهم يرجعه إلى إبراهيم ، والظاهر أنّه لا مجال للشك في عودة الضمير إلى إبراهيم ، لأنّ الكلام يدور على ما وهبه الله لإبراهيم ، لا لنوح عليهماالسلام ، كما أنّ الرّوايات التي سوف نذكرها تؤيد هذا الرأي.
النقطة الوحيدة التي حدت ببعض المفسّرين إلى إرجاع الضمير إلى نوح هي ورود ذكر «يونس» و «لوط» في الآيات التّالية ، إذ المشهور في التّأريخ أنّ «يونس» لم يكن من أبناء إبراهيم ، كما أنّ «لوطا» كان ابن أخي إبراهيم أو ابن أخته.
غير أنّ المؤرخين ليسوا مجمعين على نسب «يونس» ، فبعضهم يراه من أسرة إبراهيم(١) وآخرون يرونه من أنبياء بني إسرائيل (٢).
ثمّ إنّ الجاري عند المؤرخين أن يحفظوا النسب من جهة الأب ، ولكن ما
__________________
(١) تفسير الآلوسي ، ج ٧ ، ص ١٨٤.
(٢) دائرة المعارف فريد وجدي ، ج ١٠ ، ص ١٠٥٥ ـ في مادة «يونس».