يظن أنّ الله ينظر إلى هؤلاء نظرة خاصّة واستثنائية دونما سبب ، يقول القرآن عنهم : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
فهم إذن مشمولون بهذا القانون الإلهي الذي يسري على غيرهم بغير محاباة.
الآية التّالية تشير إلى ثلاثة امتيازات مهمّة هي أساس جميع امتيازات الأنبياء ، وهي قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ).
ولا يعني هذا أنّهم جميعا كانوا من أصحاب الكتب السماوية ، ولكن الكلام يدور على المجموع ، فنسب الكتاب إلى المجموع أيضا ، وهذا كقولنا : الكتاب الفلاني ذكر العلماء وكتبهم ، أي كتب من له تأليف منهم.
أمّا المقصود من «الحكم» فثمّة احتمالات ثلاثة :
١ ـ الحكم بمعنى «العقل والإدراك» ، أي : إنّنا فضلا عن إنزال كتاب سماوي عليهم فقد وهبناهم القدرة على التعقل والفهم ، إذ أن وجود الكتاب بغير وجود القدرة على فهمه فهما كاملا عميقا لا جدوى فيه.
٢ ـ بمعنى «القضاء» أي أنّهم باستنباط القوانين الإلهية من تلك الكتب السماوية كانوا قادرين على أن يقضوا بين الناس بامتلاكهم لجميع شروط القاضي العادل.
٣ ـ بمعنى «الحكومة» والإمساك بزمان الإدارة ، بالإضافة إلى مقام النّبوة ، إنّ الدليل على المعاني المذكورة ـ بالإضافة إلى المعنى اللغوي الذي ينطبق عليها ـ هو أنّ كلمة «الحكم» قد وردت بهذه المعاني نفسها أيضا في آيات أخرى من القرآن (١).
وليس ثمّة ما يمنع من أنّ يشمل استعمال الكلمة في هذه الآية المعاني الثلاثة مجتمعة ، فالحكم أصلا ـ كما يقول «الراغب» في «مفرداته» هو المنع ،
__________________
(١) جاءت في الآية (١٢) من سورة لقمان بمعنى العلم والفهم ، وفي الآية (٢٢) من سورة ص بمعنى القضاء ، وفي الآية (٢٦) من سورة الكهف بمعنى الحكومة.