تفسير آخر يقول : إنّ «مستقر» إشارة إلى روح الإنسان الثابتة والمستقرة ، و «مستودع» إشارة إلى جسم الإنسان الفاني غير الثابت.
وقد جاء في بعض الرّوايات تفسير معنوي بهذين التعبيرين ، وهو أنّ «مستقر» تعني الذين لهم إيمان ثابت «ومستودع» تعني من لم يستقر إيمانه (١).
وثمّة احتمال أن يكون هذان التعبيران إشارة إلى الجزئين الأولين في تركيب نطفة الإنسان ، إنّ النطفة ـ كما نعلم ـ تتركب من جزئين : الأوّل هو «البويضة» من الأنثى ، والثاني هو «الحيمن» أو «المني» من الذكر ، أنّ البويضة في رحم الأنثى تكان تكون مستقر ، ولكن حيمن الذكر حيوان حي يتحرك بسرعة نحوها ، وما أن يصل أوّل حيمن إلى البويضة حتى يمتزج بها و «يخصبها» ويصد (الحيامن) الأخرى ، ومن هذين الجزئين تتكون بذرة الإنسان الأولى.
وفي ختام الآية يعود فيقول : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ).
عند الرجوع إلى كتب اللغة يتبيّن لنا أنّ «الفقه» ليس كل معرفة أو فهم ، بل هو التوصل إلى علم غائب بعلم حاضر (٢) ، وبناء على ذلك فالهدف من التمعن في خلق الإنسان واختلاف أشكاله وألوانه ، هو أن يتوصل المرء المدقق من معرفة الخلق إلى معرفة الخالق.
الآية الثانية هي آخر آية في هذه المجموعة التي تكشف لنا عن عجائب عالم الخلق وتهدينا إلى معرفة الله بمعرفة مخلوقاته.
في البداية تشير الآية إلى واحدة من أهم نعم الله التي يمكن أن تعتبر النعمة الأم وأصل النعم الأخرى ، وهي ظهور النباتات ونموها بفضل النعمة التي نزلت من السماء : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً).
وإنّما قال (من السماء) لأنّ سماء كل شيء أعلاه ، فكل ما في الأرض من
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٧٥٠.
(٢) مفردات الراغب ، ص ٣٨٥.