فيكون مفهوم الآية الشريفة أنّ الأكثرية لا يمكن أنّ تكون وحدها الدليل على طريق الحق ، ومن هذا نستنتج أنّه يجب التوجه إلى الله وحده لمعرفة طريق الحق ، حتى لو كان السائرون في هذا الطريق قلّة في العدد.
والدليل على ذلك يرد في الآية التّالية التي تؤكّد على أنّ الله عليم بكل شيء ولا مكان للخطأ في علمه ، فهو أعرف بطريق الهداية ، كما هو أعرف بالضالين وبالسائرين على طريق الهداية : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١).
هنا يبرز سؤال : يفهم من الآية أنّ الله سبحانه أعلم بطريق الهداية ، فهل هناك من يعلم طريق الهداية بدون هدى الله حتى كون الله هو الأعلم؟!
والجواب : إنّ الإنسان قادر ـ بلا شك ـ أن يتوصل بعقله إلى بعض الحقائق ، ويدرك طريق الهداية والضلالة إلى حد ما ، غير أنّ مديّات ضوء العقل لها حدود ، وقد يظل بعض الحقائق خارج نطاق تلك الحدود ، ثمّ إنّ معلومات الإنسان قد يعتورها الخطأ ، فيكون لذلك بحاجة إلى مرشدين وهداة إلهيين ، لذلك فتعبير «الله أعلم» صحيح ، وإن يكن قياسا مع الفارق.
لا أهمية للكثرة العددية :
على العكس ممّا يظنّه بعضهم بأنّ الكثرة العددية توافق الصواب دائما فإنّ القرآن ينفي هذا في كثير من آياته ، ولا يقيم للكثرة «العددية» أي وزن ، بل يرى ـ في الحقيقة ـ إنّ الكثرة «الكيفية» هي المقياس ، لا الكثرة «الكمية» على الرغم من أنّ المجتمعات المعاصرة لم تجد لإدارة الحياة الاجتماعية طريقا سوى
__________________
ذلك ، ثمّ أطلق على كل ظن وتخمين قد يطابق الواقع وقد لا يطابقه ، والكلمة تستعمل في الكذب أيضا ، وقد تكون في الآية بكلا المعنيين.
(١) صيغة التفضيل تتعدى عادة بالباء ، فكان المفروض أن يقال «أعلم بمن يضل» ولكن الباء حذفت هنا و «من يضل» منصوبة بنزع الخافض.