رؤيتهم الفكرية محدود جدّا ومقتصر على الحياة اليومية ، فلو تهيأ لهم الأكل والنوم فكل شيء على ما يرام ، وإذا اختل ذلك فقد انهارت حياتهم وانتهى كل شيء.
عند ما نزلت الآية المذكورة أعلاه ، سئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن معنى شرح الصدر ، فقال : «نور يقذفه الله في قلب من يشاء فينشرح له صدره وينفسح».
فسألوه : ألذلك علامة يعرف بها؟
قال : «نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت» (١) بالإيمان والعمل الصالح السعي في سبيل الله.
الآية التّالية تؤكّد البحث السابق فتقول : إنّ المدد الإلهي الذي يشمل السالكين سبيل الله ويسلب عن الذين يتنكبون عن سبيل الله ، إنّما هو سنة إلهية مستقيمة ثابتة لا تتبدل (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً).
كما يحتمل أن يكون «هذا» إشارة إلى الإسلام أو القرآن ، إذ إنّ الصراط المستقيم هو الطريق المستقيم المستوي.
وفي ختام الآية توكيد آخر : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) أي لمن يملكون قلوبا واعية وآذانا سامعة.
الآية الثّالثة تشير إلى نعمتين من أكبر النعم التي يهبها الله للذين يطلبون الحق ، إحداهما : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، والثّانية : (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) ، أي ناصرهم وحافظهم ، وكل ذلك لما قاموا به من الأعمال الصالحات : (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
فأي فخر أجل وأرفع من أن يتولى الله أمور الإنسان ويتكفل بها فيكون حافظه ووليه ، وأية نعمة أعظم من أن تكون له دار السلام ، دار الأمن والأمان ، حيث لا حرب ولا سفك دماء ، ولا نزاع ولا خصام ، ولا عنف ولا تنافس قاتل
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٣٦٣.