مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) (١).
«الجن» هنا هم الشياطين ، لأن كلمة الجن ـ كما سبق أن قلنا ـ تشمل كل كائن غير مرئي والآية (٥٠) من سورة الكهف تذكر عن رئيس الشياطين ، إبليس إنّه (كانَ مِنَ الْجِنِ).
الآيات السابقة التي تحدثت عن وسوسة الشياطين الهامسة (إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) ، وكذلك الآية التّالية التي تحدثت عن سيطرة بعض الظالمين على الآخرين ، قد تكون إشارة إلى هذا الموضوع.
ويبدو أنّ الشياطين المضلين لا جواب لديهم على هذا السؤال ويطرقون صامتين ، غير أنّ أتباعهم من البشر يقولون : ربّنا ، هؤلاء استفادوا منّا كما إنّنا استفدنا منهم حتى جاء أجلنا : (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا).
أي كان شياطيننا فرحين بسيطرتهم علينا وكنّا نتبعهم مستسلمين ، أمّا نحن فكنّا مستمتعين بمباهج الحياة ولذائذها غير متقيدين بشيء ولا ملتفتين إلى سرعة زوالها ، لما كان الشياطين يوسوسون به في آذاننا ويظهرونه في صور جميلة جذابة.
هنا تختلف آراء المفسّرين بشأن المقصود من كلمة «أجل» ، هل هي نهاية عمر الإنسان ، أم يوم القيامة؟ ولكن الظاهر أنّ المقصود نهاية العمر لأنّ «الأجل» كثيرا ما استعمل في القرآن بهذا المعنى.
غير أنّ الله يخاطب التابعين والمتبوعين الفاسدين والمفسدين جميعا : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
إنّ الجملة الاستثنائية (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) إمّا أن تكون إشارة إلى أن خلودهم في العذاب والعقاب ، وفي هذه الحالات لا يسلب القدرة من الله على تغيير
__________________
(١) «يوم» ظرف متعلق بجملة «يقول» المحذوفة فيكون أصل الجملة : (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ).