خروج قدر كبير منها بعد الذبح).
(أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ).
لأنّ جميع هذه الأشياء رجس ومنشأ لمختلف الأضرار (فَإِنَّهُ رِجْسٌ).
إنّ الضمير في «فإنّه» وإن كان ضمير الإفراد ، إلّا أنّه يرجع ـ حسب ما يذهب إليه أكثر المفسّرين ـ إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في الآية (الميتة ، الدم ، لحم الخنزير) فيكون معنى الجملة الأخيرة هي : فإنّ كل ما ذكر رجس (١). وهذا هو المناسب لظاهر الآية وهو عودة الضمير إلى جميع تلك الأقسام ، إذ لا شك في أن الميتة والدم هما أيضا رجس كلحم الخنزير.
ثمّ أشار تعالى إلى نوع رابع فقال : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (٢) أي التي لم يذكر اسم الله عليها عند ذبحها.
والجدير بالتأمل أنّه ذكرت لفظة «فسقا» بدلا عن كلمة «الحيوان».
و «الفسق» كما أسلفنا يعني الخروج عن طاعة الله وعن رسم العبودية ، ولهذا يطلق على كل معصية عنوان الفسق.
وأمّا ذكر هذه اللفظة في هذا المورد في مقابل الرجس الذي أطلق على الموارد الثلاثة المذكورة سابقا ، فيمكن أن يكون إشارة إلى أنّ اللحوم المحرمة على نوعين :
اللحوم المحرّمة لخباثتها بحيث تنفر منها الطباع ، وتوجب أضرارا جسدية ، ويطلق عليها وصف الرجس (أي النجس).
اللحوم التي لا تعدّ من الخبائث ، ولا تستتبع أضرارا جسميّة وصحيّة ، ولكنّها ـ من الناحية الأخلاقية والمعنوية ـ تدلّ على الابتعاد عن الله وعن جادة التوحيد ،
__________________
(١) وفي الحقيقة يكون معنى كلمة «فإنّه» هو «فإن ما ذكر».
(٢) «أهلّ» أصله «الإهلال» ، وهو مأخوذ في الأصل من الهلال ، والإهلال يعني رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثمّ استعمل لكل صوت رفيع ، كما أنّه يطلق على بكاء الصبي عند الولادة الاستهلال ، وحيث أنّهم كانوا يذكرون أسماء أصنامهم بصوت عال عند ذبح الأنعام عبرّ عن فعلهم هذا بالإهلال.