«إنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول» (١).
وجاء في أمالي الصّدوق عن الإمام الصّادق عليهالسلام لمّا سئل عن تفسير قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أنه قال : «إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالما ، فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلّمت حتى تعمل؟ فيخصمه ، فتلك الحجّة البالغة» (٢).
إنّ من البديهي أنّ المقصود من الحديث المذكور ليس هو أنّ الحجّة البالغة منحصرة في حوار الله تعالى مع عباده يوم القيامة ، بل إنّ لله حججا بالغة عديدة من مصاديقها ما جاء في الحديث المذكور من الحوار بين الله وبين عباده ، لأن نطاق الحجج الإلهية البالغة واسع يشمل الدنيا والآخرة.
وفي الآية التّالية ـ ولكي يتضح بطلان أقوالهم ، ومراعاة لأسس القضاء والحكم الصحيح ـ دعا المشركين ليأتوا بشهدائهم المعتبرين لو كان لهم ، لكي يشهدوا لهم بأنّ الله هو الذي حرّم الحيوانات والزروع التي ادّعوا تحريمها ، لهذا يقول : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا).
ثمّ يضيف قائلا : إذا كانوا لا يملكون مثل هؤلاء الشهداء المعتبرين (ولا يملكون حتما) بل يكتفون بشهادتهم وادّعائهم أنفسهم فقط ، فلا تشهد معهم ولا تؤيدهم في دعاويهم : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ).
اتضح ممّا قيل إنّه لا تناقض قطّ في الآية لو لوحظت مجموعة ، وأمّا مطالبتهم بالشاهد في البداية ثمّ أمره تعالى بعدم قبول شهاداتهم ، فلا يستتبع إشكالا ، لأنّ المقصود هو الإشعار بأنّهم عاجزون عن إقامة الشهود المعتبرين
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٧٧٤.
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٧٧٦.