فقال أسعد لعتبة : فكيف أصنع ، وأنا محرم للعمرة لا بدّ لي أن أطوف بالبيت؟
قال : ضع في أذنيك القطن.
فدخل أسعد المسجد ، وقد حشا أذنيه بالقطن فطاف بالبيت ورسول الله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة فجازه.
فلمّا كان في الشّوط الثّاني قال في نفسه : ما أجد أجهل منّي. أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا أتعرّفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟ فأخذ القطن من أذنيه ورمى به ، وقال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنعم صباحا. فرفع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأسه إليه ، وقال : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا ، تحية أهل الجنّة ، السلام عليكم.
فقال له أسعد : إلى م تدعو يا محمّد؟
قال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وأدعوكم إلى ...(ثمّ تلا صلىاللهعليهوآلهوسلم الآيات الثلاثة المبحوثة هنا والتي تتضمن التعاليم العشرة).
فلمّا سمع أسعد هذا قال له : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك ، ولا أجد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي ، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمّم الله لنا أمرنا فيك.
والله يا رسول الله ، لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك ، ويبشروننا بمخرجك ، ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك عندنا فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الذي ساقني إليك ، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له.
ثمّ أسلم رفيق أسعد ـ ذكوان ـ أيضا ـ ثمّ طلبا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبعث معهم رجلا يعلمهم القرآن ، ويدعو الناس إلى أمره ، ويطفئ الحروب ، فبعث رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم معهما إلى المدينة «مصعب بن عمير» ومنذئذ أسست قواعد الإسلام في المدينة وتغير وجه يثرب (١).
* * *
__________________
(١) بحار الأنوار ، الطبعة الجديدة ، ج ١٩ ، ص ٨ و ٩ و ١٠.