والجدير بالذكر أنّ هذه الآية وطائفة كبيرة من الآيات السابقة واللاحقة لها تبدأ بجملة : «قل» ولعلّه لا توجد في القرآن الكريم سورة كررت فيها هذه الجملة بهذا القدر مثل هذه السورة ، وهذا يعكس في الواقع مدى شدّة المواجهة بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين منطق المشركين.
كما أنّه يسدّ كل أبواب العذر في وجوههم ، لأنّ تكرار كلمة «قل» علامة على أنّ كل ما يقوله لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هو بأمر الله ، بل هو عين كلام الله ، لا أنّها آراء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفكاره وقناعاته الشخصية.
ومن الواضح أن ذكر كلمة «قل» في هذه الآيات وأمثالها في نص القرآن ، إنّما هو لحفظ أصالة القرآن ، وللدلالة على أن ما يأتي بعدها هو عين الكلمات التي أوحيت إلى رسول الله.
وبعبارة أخرى : الهدف منها هو الدلالة على أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يحدث فيها أيّ تغيير في الألفاظ التي أوحيت إليه ، وحتى كلمة «قل» التي هي خطاب إليه قد ذكرها عينا.
ثمّ إنّه تعالى يوضح «الصراط المستقيم» في هذه الآية والآيتين اللاحقتين.
فهو يقول أوّلا : إنّه الدين المستقيم الذي هو في نهاية الصحة والاستقامة ، وهو الأبدي الخالد القائم المتكفل لأمور الدين والدنيا والجسد والروح : (دِيناً قِيَماً) (١).
وحيث أنّ العرب كانوا يكنّون لإبراهيم عليهالسلام محبّة خاصّة ، بل كانوا يصفون عقيدتهم ودينهم بأنّه دين إبراهيم هو هذا الذي أدعو أنا إليه لا ما تزعمونه : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ).
إبراهيم عليهالسلام الذي أعرض عن العقائد الخرافية التي كانت سائدة في عصره وبيئته ، وأقبل على التوحيد (حَنِيفاً).
__________________
(١) «قيما» قد تأتي أيضا بمعنى الاستقامة ، وقد تأتي بمعنى الثبات والدوام وكذلك تأتي بمعنى القائم بأمور الدين والدنيا.