النبوّة ، فلا مانع من أن يكلّم الله أحدا لا بعنوان الوحي والرسالة ، بل عن طريق الباطني أو بواسطة بعض الملائكة ، سواء كان من يحادثه الله من الصالحين الأبرار مثل مريم وأمّ موسى ، أو من غير الصالحين مثل الشيطان!
ولنعد الآن إلى تفسير بقية الآيات : حيث أن امتناع الشيطان من السجود لآدم عليهالسلام لم يكن امتناعا بسيطا وعاديا ولم يكن معصية عادّية ، بل كان تمرّدا مقرونا بالاعتراض والإنكار للمقام الربوبي ، لأنّه قال : أنا أفضل منه ، وهذه الجملة تعني في حقيقة الأمر أن أمرك بالسجود لآدم أمر مخالف للحكمة والعدالة وموجب لتقديم «المرجوح» على «الراجح» لهذا فإنّ مخالفته كانت تعني الكفر وإنكار العلم والحكمة الإلهيين ، فوجب أن يخسر جميع مراتبه ودرجاته ، وبالتالي كل ما له من مكانة عند الله ، ولهذا أخرجه الله من ذلك المقام الكريم ، وجرّده من تلك المنزلة السامقة التي كان يتمتع بها في صفوف الملائكة ، فقال له : (فَاهْبِطْ مِنْها).
وقد ذهب جمع من المفسّرين في ضمير «منها» إلى إرجاعه إلى «السماء» أو «الجنّة» وذهب آخرون إلى إرجاعها إلى «المنزلة الدرجة» ، وهما لا يختلفان كثيرا من حيث النتيجة.
ثمّ إنّه تعالى شرح له منشأ هذا السقوط والتنزّل بالعبارة التّالية : (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها).
وأضاف للتأكيد قائلا : (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) يعني إنّك بعملك وموقفك هذا لم تصبح كبيرا ، بل على العكس من ذلك أصبته بالصغار والذلة.
إنّ هذه الجملة توضح بجلاء أن شقاء الشيطان كله كان وليد تكبره ، وإن أنانيته هذه التي جعلته يري نفسه أفضل ممّا هو ، هي التي تسببت في أن لا يكتفي بعدم السجود لأدم ، بل وينكر علم الله وحكمته ، ويعترض على أمر الله ، وينتقده ، فخسر على أثر ذلك منزلته ومكانته ، ولم يحصد من موقفه إلّا الذلة