يهتف على بابه : أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم ، يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه ، قد جهلوا حقّه ولم يصدقوا قوله : فلما ايس ان يطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه الى الله باب وطاويا ، وأصبح صائما جائعا صابرا حامدا لله ، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا وأصبحوا وعندهم من فضل طعامهم.
قال : فأوحى الله عزوجل الى يعقوب في صبيحة تلك الليلة : لقد أذللت ـ يا يعقوب ـ عبدي ذلة استجررت بها غضبي ، واستوجبت بها أدبي ، ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك يا يعقوب ، ان احبّ انبيائي اليّ وأكرمهم علي من رحم مساكين عبادي وقرّبهم اليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ يا يعقوب ، ما رحمت «ذميال» عبدي المجتهد في عبادته ، القانع باليسير من ظاهر الدنيا عشاء أمس لمّا عبر ببابك عند أوان إفطاره ويهتف بكم : أطعموا السائل الغريب المجتاز القانع ، فلم تطعموه شيئا. فاسترجع واستعبر وشكا ما به اليّ وبات جائعا وطاويا حامدا ، أصبح لي صائما ، وأنت ـ يا يعقوب ـ وولدك شباع ، وأصبحت وعندكم فضل من طعامكم.
او علمت ـ يا يعقوب ـ انّ العقوبة والبلوى أوليائي أسرع منها الى اعدائي ...إلخ ...(١).
ومن الطريف انّ أبا حمزة يقول : سألت الامام زين العابدين عليهالسلام متى راى يوسف رؤياه؟ فقال الامام : في تلك الليلة» (٢).
يستفاد من هذا الحديث ان زلّة بسيطة او بعبارة أدق : «ترك الاولى» وهو لا يعدّ خطيئة او إثما ، لانّ يعقوب له يتّضح له حال السائل ... هذا الترك من قبل الأنبياء والأولياء يكون سببا لانّ يبتليهم الله بلاء شديدا ... وما ذلك الّا لمقامهم
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ ونور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤١١.
(٢) المصدر السّابق.