المحتوم ، وما أسديته لكم من النصيحة هو في الواقع لدفع هذه الأمور الطارئة والتي بإمكان الإنسان ان يدفعها عن نفسه ثمّ قال : أخيرا (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
لا شكّ في انّ عاصمة مصر في تلك الايّام شأنها شأن جميع البلدان ، كانت تمتلك سورا عاليا وأبوابا متعدّدة وكان يعقوب قد نصح أولاده بأن يتفرّقوا الى جماعات صغيرة ، وتدخل كلّ جماعة من باب واحد ، لكن الآية السابقة لم تبيّن لنا فلسفة هذه النصيحة.
ذهب جمع من المفسّرين الى انّ سبب هذه النصيحة هو انّ اخوة يوسف كانوا يتمتّعون بقسط وافر من الجمال (وان لم يكونوا كيوسف لكنّهم في كلّ الأحوال كانوا اخوته) وبأجسام قويّة رشيقة ، وكان الأب الحنون في قلق شديد من انّ الفات نظر الناس الى هذه المجموعة المكوّنة من ١١ شخصا ويدلّ سيماهم على انّهم غرباء وانّهم ليسوا من اهل مصر ، فيصيبهم الحسد من تلك العيون الفاحصة.
ثمّ بعد هذا التّفسير ـ دخل المفسّرون في بحث طويل ونقاش مستمر حول موضوع تأثير العين في حياة الإنسان واستدلّوا على ذلك بشواهد عديدة من الرّوايات والتاريخ. ونحن بحول الله وقوّته سوف نبحث عن هذا الموضوع عند حديثنا عن قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ). (١) ونثبت انّه برغم الخرافات الكثيرة التي لفّها العوام حوله الّا انّ مقدارا من هذا الأمر له حقيقة موضوعية حيث ثبت علميا انّ أمواج سيّالة تخرج من العين وتمتلك بعض المواصفات المغناطيسيّة.
وهناك سبب آخر ذكره المفسّرون وهو انّ دخول هذه المجموعة الى مصر بوجوههم المشرقة وأجسامهم الرشيقة القويمة والسير في شوارعها ، قد يثير
__________________
(١) سورة ن والقلم ، ٢٥.