وعجز عن ان يخفي نفسه بغطاء السلطة وأجبره على كشف نفسه لإخوته).
وفي تلك اللحظة ، وبعد ان مضت ايّام الامتحان الصعب ـ وكان قد اشتدت محنة الفراق على يوسف وظهرت عليه آثار الكآبة والهمّ ، أراد ان يعرّف نفسه لإخوته فابتدرهم بقوله : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ).
لاحظوا عظمة يوسف وعلوّ نفسه حيث يسألهم اوّلا عن ذنبهم لكن بهذه الكناية اللطيفة يقول : (ما فَعَلْتُمْ) وثانيا يبيّن لهم طريقة الاعتذار وانّ ما ارتكبوه في حقّ إخوتهم انّما صدر عن جهلهم وغرورهم ، وانّه قد مضى ايّام الصبى والطفولة وهم الآن في دور الكمال والعقل!
كما انّه يفهم من الآية الشريفة انّ يوسف لم يكن وحده الذي ابتلي بإخوته ومعاملتهم السيّئة ، بل انّ بنيامين ايضا كان يقاسي منهم ألوان العذاب ، ولعلّه قد شرح لأخيه يوسف في الفترة التي قضاها في مصر ، جانبا ممّا عاناه تحت أيديهم ، ويستفاد من بعض الرّوايات انّ يوسف حينما استفسر عمّا فعلوه معه ومع أخيه ختم استفساره بابتسامة عريضة ليدفع عن أذهانهم احتمال انّه سوف ينتقم منهم فظهرت لإخوته أسنانه الجميلة ولاحظوا وتذكّروا الشبه بينه وبين أسنان أخيهم يوسف (١).
امّا هم ، فإنّهم حينما لاحظوا هذه الأمور مجتمعة ، وشاهدوا انّ العزيز يتحدّث معهم ويستفسرهم عمّا فعلوه بيوسف ، تلك الأعمال التي لم يكن يعلمها احد غيرهم الّا يوسف.
ومن جهة اخرى ادهشهم يوسف وما اصابه من الوجد والهياج حينما استلم كتاب يعقوب ، واحسّوا بعلاقة وثيقة بينه وبين صاحب الرسالة.
وثالثا كلّما أمعنوا النظر في وجه العزيز ودقّقوا في ملامحه ، لاحظوا الشبه الكبير بينه وبين أخيهم يوسف .. لكنّهم في نفس الوقت لم يدر بخلدهم ولم
__________________
(١) مجمع البيان في ذيل الآية الشريفة.