الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) (١) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ)(٢)(وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٣).
من مجموع هذه الآيات يمكن ان نستفيد ما يلي :
اوّلا : انّ الإنسان أكمل من جميع الموجودات في هذا العالم ، فمن وجهة اسلامية نرى انّ الشريعة الاسلامية تعطي للإنسان القيمة الكبيرة بحيث تسخّر له كلّ ما في الكون ، فهو خليفة الله ، وقلبه مستودع نوره!
ثانيا : ويتّضح انّ التسخير ليس المقصود منه انّ جميع هذه الكائنات هي تحت امرة الإنسان ، بل هي بقدر معيّن تدخل ضمن منافعه وخدمته ، وعلى سبيل المثال فإنّ تسخير الكواكب السّماوية من اجل ان يستفيد الإنسان من نورها او لفوائد اخرى.
فلا يوجد اي مبدا يقيّم الإنسان بهذا الشكل ، ولا يوجد في ايّة فلسفة هذا المقام لشخصيته ، فهذه من خصائص المدرسة الاسلامية التي ترفع من قيمة الإنسان بهذا الشكل الكبير ، فالمعرفة بها لها اثر عميق على تربيته ، لانّه حينما يفكر الإنسان بتعظيم الله له ، وتسخير السحاب والهواء والشمس والقمر والنّجوم وجعلها في خدمته ، فمثل هذا الإنسان لا تعتريه الغفلة ولا يكون عبدا للشهوات وأسيرا للمال والمقام ، بل يحطّم القيود ويتطلّع الى آفاق السّماء.
كيف يمكن القول : انّ الشمس والقمر غير مسخّرين للإنسان في الوقت الذي نرى انّ في اشعّتها نور يضيء حياة الإنسان ويحافظ على دفئه ، ولولا اشعّة الشمس لما وجدت اي حركة او نشاط على الكرة الارضية ، ومن جهة اخرى فإنّ جاذبيتها تنظم حركة الأرض حول مدارها ، وتوجد ظاهرة المدّ والجزر في
__________________
(١) النحل ، ١٤.
(٢) الحجّ ، ٦٥.
(٣) الجاثية ، ١٣.