وإذا توسعنا في معنى هذه الكلمة ومفهوم الجملة وجدناها دعوة الى رعاية جميع الحقوق الفردية والاجتماعية ولجميع الملل والنحل ، ويظهر «بخس الحق» في كل محيط وعصر وزمان بشكل معين حتى بالمساعدة دون عوض أحيانا ، والتعاون وإعطاء قرض معين (كما هي طريقة المستعمرين في عصرنا).
ونجد في نهاية الآية انّ شعيبا يخطو خطوة اخرى أوسع ويقول لقومه : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
فالفساد يقع عن طريق البيع ويقع عن طريق غصب حقوق الناس والاعتداء على حقوق الآخرين ، والفساد ايضا يقع في الإخلال بالموازين والمقاييس الاجتماعيّة ، ويقع ايضا ببخس الناس أشياءهم وأموالهم ، وأخيرا يقع الفساد على الحيثيات بالاعتداء على حرمتها وعلى النواميس وأرواح الناس.
وجملة «لا تعثوا» معناها «لا تفسدوا» بدلالة ذكر مفسدين بعدها لمزيد التوكيد على هذا الموضوع.
انّ الآيتين المتقدمتين تعكسان هذه الواقعية بجلاء ، وهي انّه بعد الاعتقاد بالتوحيد والنظر الفكري الصحيح ، ينظر الى الاقتصاد السليم بأهمية خاصّة ، كما تدلّان على انّ الإخلال بالنظام الاقتصادي سيكون أساسا للفساد الوسيع في المجتمع.
ثمّ يخبرهم انّ زيادة الثروة ـ التي تصل الى أيديكم عن طريق الظلم واستثمار الآخرين ـ ليست هي السبب في غناكم ، بل ما يغنيكم هو (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
التعبير بـ «بَقِيَّتُ اللهِ» امّا لانّ الربح الحلال القليل المترشح عن امر الله فهو «بَقِيَّتُ اللهِ» وامّا لانّ الحصول على الرزق الحلال باعث على دوام نعم الله وبقاء البركات ... وامّا لانّه يشير الى الجزاء والثواب المعنوي الذي يبقى الى الأبد. فإنّ الدنيا فانية وما فيها لا محاله فان ، وتشير الآية (٤٦) من سورة الكهف : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) الى هذا المضمون ايضا. والتعبير