(فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها ، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض ، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف امامها ، وفي هذه الأثناء يظهر الزّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم : (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً).
«الرابي» من «الربو» بمعنى العالي او الطافي ، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل.
وليس ظهور الزبد منحصرا بهطول الأمطار ، بل (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) (١) اي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها او صناعة الوسائل اللازمة في الحياة.
بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع ، يستنتج القرآن الكريم (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) ثمّ يتطرّق الى شرحه فيقول : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاء ويصير باطلا متلاشيا ، وامّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض او ينفذ الى الاعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش ، وتروي الأشجار لتثمر ، والازهار لتتفتّح ، وتمنح لكلّ شيء الحياة.
وفي آخر الآية ـ للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال ـ يقول تعالى : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ).
* * *
__________________
(١) تشير هذه الآية الى الافران التي تستعمل لصهر الفلزان ، فهذه الافران تتميّز بوجود النّار من تحتها ومن فوقها يعني نار تحت الفلز ونار فوقه ، وهذه من أفضل انواع الافران حيث تحيط بها النّار من كلّ جانب.