للبحث السابق.
في الآية الاولى من هذه المجموعة استفهام انكاري : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى).
وهذا وصف رائع ، فهو لم يقل : أفمن يعلم انّ هذا القرآن على الحقّ كمن لا يعلم؟ بل قال : كمن هو أعمى؟ وهذه اشارة لطيفة الى انّه من المحال ان لا يعلم احد بهذه الحقيقة الّا ان يكون أعمى القلب ، فكيف يمكن لإنسان يمتلك عينا سليمة ولا يرى نور الشمس ، وهذا القرآن كالشمس. ولذلك يجيء في نهاية الآية قوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
«الألباب» جمع لبّ بمعنى جوهر الشيء ، ويقابل اولي الألباب اولوا الجهل والعمى.
انّ هذه الآية ـ وكما يذهب اليه بعض المفسّرين ـ تحثّ الناس على طلب العلم ومحاربة الجهل ، لانّها تعدّ الفرد الفاقد للعلم كمن هو أعمى. ثمّ بيّن سيرة اولي الألباب من خلال ذكر صفاتهم الحميدة ، واوّل ما أشار القرآن اليه وفاؤهم بالعهد وعدم نقضهم له و (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ).
انّ «عهد الله» له معنى واسع ، ويشمل العهود الفطرية التي عاهدوا بها ربّهم كالفطرة على التوحيد وحبّ الحقّ والعدالة ، والمواثيق العقليّة التي يدركها الإنسان من خلال التفكير والتعقّل لعالم الوجود ، والمبدإ والمعاد ، وتشمل كذلك العهود الشرعيّة ، وهي ما عاهدوا الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه من الطاعة للأوامر الالهيّة وترك المعاصي والذنوب.
وتشمل هذه المجموعة كذلك الوفاء بالعهد بين الافراد ، لانّ الله سبحانه وتعالى اوصى بها ، بل تدخل ضمن الوفاء الشرعي والميثاق العقلي.
الصفة الثّانية من صفات اولي الألباب هي (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).