حديثا في هذا الصدد.
الصّفة الخامسة من صفات اولي الألباب الاستقامة في مقابل جميع المشاكل التي يواجهها الإنسان في مسيرة الطاعة وترك المعصية ، وجهاد الأعداء ومحاربة الظلم والفساد (١) ، والصبر في مرضاة الخالق ، ولذلك يقول تعالى : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) لقد أشرنا مرارا الى مفهوم الاستقامة التي هي المعنى الواسع للصبر.
امّا معنى العبارة (وَجْهِ رَبِّهِمْ) فقد تشير الى احد معنيين :
اوّلا : كلمة الوجه في هذه الموارد تعني العظمة ، كما نقول للرأي الصائب والمهمّ «هذا وجه الراي» باعتبار انّ الوجه يمثّل الشكل الظاهر والمهمّ للشيء ، كما في وجه الإنسان الذي يعتبر اهمّ جزء من جسده ، وفيه يقع السمع والبصر والنطق.
ثانيا : الوجه هنا بمعنى رضا الخالق ، فهم يصبرون على المحن والمشاكل لجلب مرضاة الله ، فاستعمال الوجه بهذا المعنى بسبب انّ الإنسان عند ما يريد ان يجلب رضا شخص يمعن النظر في وجهه (وعلى ذلك فهو يستعمل للكناية عن الشيء). وعلى ايّة حال فإنّ هذه الجملة تبيّن انّ كلّ صبر وعمل خير تكون له قيمة عند ما يصبح لوجه الله ، وايّ عمل آخر يقع تحت تأثير الرياء والغرور لا قيمة له مطلقا.
يقول بعض المفسّرين : انّ الإنسان يصبر مرّة لكي يقول عنه الناس : انّ هذا كثير الاستقامة. واخرى لخشيته ان يقولوا عنه انّه قليل الصبر ، او يصبر حتّى لا يشمت به الأعداء ، او يعلم ان لا فائدة من الجزع .. كلّ هذه الأمور والنيّات لا تدخل ضمن الكمال الانساني الّا إذا كانت خالصة لوجه الله. فهو يصبر ويستقيم لانّه يعلم انّ ايّ فاجعة او مصيبة لها حكمة ودليل ، ولا يقول ما يسخط الربّ ،
__________________
(١) ليس الصبر على الطاعة والمعصية والمصيبة فقط بل الصبر على النعم كذلك حتّى لا يصيب الإنسان الغرور.