ومعنى هذه العبارة انّهم لم يكتفوا بالتوبة والاستغفار فقط عند ارتكابهم الذنوب ، بل يدفعونها كذلك بالحسنات على مقدار تلك الذنوب ، حتّى يطهّروا أنفسهم والمجتمع بماء الحسنات.
«يدرءون» مضارع «درأ» على وزن «زرع» بمعنى دفع.
ويحتمل في تفسير الآية انّهم لا يقابلون السيء بالسيء ، بل يسعون من خلال إحسانهم للمسيئين ان يجعلوهم يعيدون النظر في مواقفهم ، كما نقرا في الآية (٣٤) من سورة فصلت قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
وفي نفس الوقت ليس هناك مانع من انّ الآية تشير الى هذين المعنيين ، كما اشارت إليها الأحاديث الاسلامية. ففي الحديث عن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لمعاذ بن جبل : «إذا عملت سيّئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها» (١).
وعن الامام علي عليهالسلام قال «عاتب أخاك بالإحسان اليه واردد شرّه بالانعام عليه»(٢).
ولا بدّ هنا من الالتفات الى هذه النقطة ، وهي انّ هذه الأحكام أخلاقية تخصّ الحالات التي يحصل فيها تأثير على الآخرين ، وهناك قوانين واحكام جزائية واردة في التشريع الاسلامي لمعاقبة المسيئين.
وبعد ما ذكر القرآن الكريم الصفات الثمانية لاولي الألباب ، أشار في نهاية الآية الى عاقبة أمرهم حيث يقول تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (٣).
الآية الاخرى توضّح هذه العاقبة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ).
__________________
(١) مجمع البيان ذيل الآية أعلاه.
(٢) الكلمات القصار في نهج البلاغة ، الكلمة ١٥٨.
(٣) «العقبى» بمعنى العاقبة او نهاية العمل خيرا كان او شرّا ، ولكن بالنظر الى قرينة الحال في الآية أعلاه تشير الى العاقبة الحسنة.