عاقل وعارف ان يحتمل انّ هناك أمورا خافية على الله ثمّ تظهر له بمرور الايّام ، فهذا القول هو الكفر بعينه ، ولازمه نسبة الجهل وعدم المعرفة الى ذاته المقدّسة ، وانّ ذاته محلّا للتغيير والحوادث.
وحاشا للشيعة الاماميّة ان يحتملوا ذلك بالنسبة لذات الله المقدّسة! انّ ما يعتقده الشيعة من معنى البداء ويصرّون عليه ، هو طبقا لما جاء في روايات اهل البيت عليهمالسلام : ما عرف الله حقّ معرفته من لم يعرفه بالبداء.
كثيرا ما يكون ـ وطبقا لظواهر العلل والأسباب ـ ان نشعر انّ حادثة ما سوف تقع او انّ وقوع مثل هذه الحادثة قد اخبر عنه النّبي ، في الوقت الذي نرى انّ هذه الحادثة لم تقع ، فنقول حينها : انّ «البداء» قد حصل ، وهذا يعني انّ الذي كنّا نراه بحسب الظاهر سوف يقع واعتقدنا تحقّقه بشكل قاطع قد ظهر خلافه.
والأصل في هذا المعنى هو ما قلناه في بحثنا السابق ، وهو انّ معرفتنا مرّة تكون فقط بالعلل الناقصة ، ولا نرى الشروط والموانع ونقضي طبقا لذلك ، ولكن بعد ان نواجه فقدان الشرط او وجود المانع ويتحقّق خلاف ما كنّا نتوقّعه سوف ننتبه الى هذه المسائل. وكذلك قد يعلم النّبي او الامام بأمور مكتوبة في لوح المحو والإثبات القابل للتغيير طبعا ، فقد لا تتحقّق أحيانا لمواجهتها بالموانع وفقدان الشروط.
ولكي تتّضح هذه الحقيقة لا بدّ من مقايسة بين «النسخ» و «البداء» : نحن نعلم انّ النسخ جائز عند جميع المسلمين ، يعني من الممكن ان ينزل حكم في الشريعة فيتصوّر الناس انّ هذا الحكم دائمي ، لكي بعد مدّة يعلن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تغيير هذا الحكم وينسخه ، ويحلّ محلّه حكما آخر (كما قرانا في حادثة تغيير القبلة).
انّ هذا في الحقيقة نوع من «البداء» ولكن في القضايا التشريعيّة والقوانين والأحكام يسمّونه بـ «النسخ» وفي الأمور التكوينيّة يسمّى بـ «البداء» ويقال